يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فليس من شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفورا لهم, بل ولا من شرطهم ترك الصغائر مطلقا, بل ولا من شرطهم ترك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه التوبة. وقد قال الله تعالي:( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون). فقد وصفهم الله بأنهم هم المتقون. والمتقون هم أولياء الله, ومع هذا فأخبر انه يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا, وهذا أمر متفق عليه بين أهل العلم والإيمان. وابن تيمية رحمه الله بهذا يقرر حقيقة مهمة وهي أن الخطأ من طبيعة الإنسان وأنه مهما بلغ أعلي درجات التقوي والصلاح والمتمثلة في الولاية فلن يخلو من خطأ أو نقص أو عيب فيه, فالكمال لله سبحانه وتعالي وحده. وقد قرر النبي صلي الله عليه وسلم ذلك بقوله: كل بني آدم خطاء, وخير الخطائين التوابون وإذا كان الأمر كذلك فحري بالمؤمنين أن يزينوا أخلاقهم بخلق التغافل عن أخطاء وعيوب إخوانهم إذا لم تترتب عليها مفسدة, وأن يقبل الأخ أخاه بعينه الذي هو فيه, وأن يغض الطرف ويتغافل عما لا يعجبه فيه من صفات أو طبائع, فإن ذلك من مكارم الأخلاق وسبيل للعافية كما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل. والتغافل هو: تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرما وترفعا عن سفاسف الأمور. وهو من شيم الكرام كما قال سفيان: مازال التغافل من فعل الكرام. بل التغافل من أخلاق السادة كما قال أبو تمام: وليس الغبي بسيد في قومه.. إنما سيد قومه المتغابي أما أصحاب المهم الدنيئة فيقفون عند الهفوات, ويلتمسون مواطن الزلات والعثرات, وكما يقولون يجعلون من الحبة قبة ومن القبة مزارا. أما الأكياس العقلاء فإنهم يتغافلون عن الهفوات, ويقيلون العثرات كما قال الإمام الشافعي: الكيس العاقل هو الفطن المتغافل. ومع طول الصحبة وصدق المودة تشتد الحاجة للتغافل روي البخاري في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: خدمته يعني النبي صلي الله عليه وآله وسلم في السفر والحضر ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه لم تصنع هذا هكذا. وفي حديث أم زرع قالت إحدي النساء واصفة زوجها مادحة إياه علي صنيعه معها: زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد, ولا يسأل عما عهد قال بعض العلماء في تفسير( فهد): إنها تشبهه بالفهد, إذ أن الفهد حيوان شديد التغافل فهي تصفه بأنه يتغافل عن عيوبها وزلاتها مع معرفته بتلك العيوب كرما منه. وقد ترك لنا سلفنا الصالح كنزا من الأقوال المأثورة التي تحث علي التغاضي والتغافل عن هفوات الإخوان: فأبو عمرو المكي يقول: من المروءة التغافل عن زلل الإخوان. وقال بعض العارفين: تناس مساويء الإخوان تستدم ودهم. فبمثل هذه الأخلاق ساد وسما هؤلاء العظام. فما أجمل هذا الخلق الجميل, وما أحوجنا أن نتخلق به متغافلين ومتجاوزين عن الهفوات ومقالين لعثرات ساترين للقبيح ومظهرين للجميل. فهيا بنا نزين أخلاقنا بخلق التغافل. رابط دائم :