قليلون أولئك الذين عاشوا حياتهم في ظلال القرآن الكريم يتتبعون أسراره ويحاولون تدبر معانيه ويجاهدون في الوصول الي تفسير آياته ومعانيه ولكن تبقي حلاوته وطلاوته علوا في المقام والمقامة لايعلو عليه انسان. هو عالم في الدين علامة في التفسير ومؤرخ غزير الانتاج متنوع التأليف بلغت مؤلفاته التاريخية وحدها نحو مائتي كتاب بعضها مجلدات ضخمة ولم تقتصر علي عصر بدأته بل شملت جميع العصور.. وفي سن مبكرة انضم الي حلقات تحفيظ القرآن الكريم حتي حفظه وأتقن تلاوته..ودخل ميدان التاريخ عن طريق الحديث النبوي وعلومه ووضح ذلك في عنايته الفائقة بالتراجم التي صارت أساس كثير من كتبه ومحور تفكيره التاريخي. هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز,شمس الدين, أبو عبد الله, الذهبي الذي ولد في دمشق في ربيع الآخر673 ه الموافق لشهر أكتوبر1274 م نشأ في أسرة كريمة تركمانية الأصل اي ذات أصول تركية وكان والده يعمل في صناعة الذهب, فبرع فيه وتميز حتي عرف بالذهبي, وكان رجلا صالحا محبا للعلم, فعني بتربية ولده وتنشئته علي حب العلم. اشتهر الامام الذهبي ب محدث العصر, والإمام الحافظ, قرأ القرآن, وأقرأه بالروايات, وطلب الحديث وهو ابن ثماني عشرة سنة طلب العلم فسافر الي حلب, وطرابلس, والكرك, ونابلس,والقدس, ثم الي مصر فاستمع الي شيوخها وعلي رأسهم ابن دقيق العيد وذهب الي دمشق, وبعلبك,..ثم رحل الي الحجاز لأداء فريضة الحج,وكان يرافقه في هذه الرحلة جمع من شيوخه وأقرانه,وانتهز فرصة وجوده هناك فسمع الحديث من شيوخ مكة والمدينة. جمع الامام الذهبي بين ميزتين نادرا لايمتلكها إلا الأفذاذ القلائل في تاريخنا, فهو يجمع الي جانب الإحاطة الواسعة بالتاريخ الإسلامي حوادث ورجالا, المعرفة الواسعة بقواعد الجرح والتعديل للرجال, فكان وحده مدرسة قائمة بذاتها. تتلمذ علي يد الشيوخ الأجلاء في زمانه كجمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن داود العسقلاني, والشيخ جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن غال وقرأ عليهما القرآن بالقراءات السبع,وقرأ علي غيرهما من أهل هذا العلم حتي أتقن القراءات وأصولها ومسائلها. وبلغ من إتقانه لهذا الفن وهو في هذه السن المبكرة أن تنازل له شيخه محمد عبد العزيز الدمياطي عن حلقته في الجامع الأموي حين اشتد به المرض. ودرس النحو والعربية علي الشيخ ابن أبي العلاء النصيبي, وبهاء الدين بن النحاس إمام أهل الأدب في مصر,واهتم كذلك بدراسة المغازي والسير والتراجم والتاريخ العام. وكان للإمام الذهبي منهج في التفسير يؤكد خمسة مصادر أساسية هي الرجوع إلي القرآن نفسه, والنقل عن الرسول صلي الله عليه وسلم, والأخذ بما صح عن الصحابة, والآخذ بمطلق اللغة ثم التفسير بالمقتضي من معني الكلام والمقتضي من قوة الشرع مع تفصيل في كل مصدر. تبوأ الإمام الذهبي مكانة مرموقة في عصره تجد صداها فيما ترك من مؤلفات عظيمة منها: سير أعلام النبلاء, والأربعين في صفاف رب العالمين, وإثبات الشفاعة, وأسماء الذين راموا الخلافة, ودول الإسلام, والينار من حديث المشايخ الكبار, وحقوق الجار والاعلام بوفيات الأعلام وهو أكبر كتب الإمام الذهبي وأشهرها تناول فيه تاريخ الإسلام من الهجرة النبوية حتي سنة700 ه الموافقة لسنة1300 م وهي فترة مدتها سبعة قرون. وخصوص: المزي والبرزالي والذهبي والشيخ الوالد, لاخامس لهؤلاء في عصرهم. وفي شهادة معاصريه له.ولعل من أبلغ تلك الشهادات ماقاله وظل الإمام الذهبي موفور النشاط يقوم بالتدريس في خمس مدارس للحديث في دمشق, ويواصل التأليف حتي كل بصره في آخر حياته, حتي فقد الإبصار تماما, ومكث علي هذا الحال حتي توفي ليلة الإثنين3 ذو القعده748 ه الموافق ل4 فبراير1348 م رابط دائم :