قليلون أولئك الذين عاشوا حياتهم في ظلال القرآن يتتبعون أسراره ويحاولون تدبر معانيه ويجاهدون في الوصول إلي تفسير آياته ومعانيه ولكن تبقي حلاوته وطلاوته علوا في المقام والمقامة لا يعلو عليه انسان عالم دين سني وفقيه شافعي نشأ في أسرة فقيرة ومتدينة, وكان هذا من الأسباب التي جعلته يطلب العلم, ومع اجتهاده وصبره اصبح عالما جليلا في علوم التفسير والحديث والسيرة والعقيدة والفقه وأصول الفقه ولقب ب عز الدين وسلطان العلماء وبائع الملوك. هو أبو محمد عز الدين عبدالعزيز بن عبدالسلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذب السلمي, مغربي الأصل. الذي ولد في دمشق في سوريا عام577 ه, وعاش فيها وبرز في الدعوة والفقه. ولأن اسمه سطع في زمن مواجهة الحروب الصليبية وعاصر الدول الإسلامية المنشقة عن الخلافة العباسية في آخر عهدها فكان من أبرز نشاطه دعوته القوية لمواجهة الغزو المغولي التتري وشحذه لهمم الحكام ليقودوا الحرب علي الغزاة, وخصوصا قطز قائد جيوش السلطان عز الدين أيبك. كان أكثر تحصيله للعلم في دمشق نفسها, ولكنه رحل أيضا إلي بغداد لزيادة علمه, حيث كانت في زمانه الرحلة لطلب العلم قاعدة مستقرة, تعتبر منقبة ومفخرة لصاحبها. وقد رحل إلي بغداد عام597 ه وأقام بها أشهرا, ثم عاد إلي دمشق. وكان يحضر الأماكن العامة والمجالس الرسمية بها. وقد خالط العز كبار دولة بني أيوب التي أنشأها صلاح الدين في الشام ومصر فجالس فطاحل العلماء في عصره, وجلس في حلقاتهم, ونهل من علومهم, وتأثر بهم وبأخلاقهم, واستوعب العلوم في مدة تعتبر وجيزة, ومن شيوخه فخر الدين بن عساكر, وقد قرأ عليه الفقه, وسيف الدين الآمدي, وقد قرأ عليه الأصول, والحافظ أبي محمد القاسم بن عساكر, وقد سمع منه الحديث. قال عن نفسه: ما احتجت في علم من العلوم إلي أن أكمله علي الشيخ الذي أقرأ عليه إلا وقال لي الشيخ: قد استغنيت عني, فاشتغل مع نفسك ولم أقنع بذلك, بل لا أبرح حتي أكمل الكتاب الذي أقرأه عليه في ذلك العلم. وجمع العز في تحصيله بين العلوم الشرعية والعلوم العربية, فقد برز أيضا في اللغة والنحو والبلاغة وعلم الخلاف. كان منهجه في البحث يدعو إلي إعمال العقل في استنباط الأحكام, وفي التعرف علي المصالح. ويري أن الأحكام إن لم يمكن استنباطها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس, فيجب استنباطها بما يحقق مصلحة ويدرأ مفسدة, والعقل هو أداة هذا الاستنباط. درس العلم للعديد من التلاميذ منهم تلميذه الأول ابن دقيق العيد الذي لقبه بسلطان العلماء, وابن دقيق العيد, وأحمد بن فرح الأشبيلي المحدث الفقيه, وشهاب الدين القرافي, وأبو شامة النحوي الأصولي المؤرخ, وشرف الدين الدمياطي وله مؤلفات كثيرة عظيمة القيمة, ابرزها تفسير العز بن عبدالسلام( تفسير القرآن). الفوائد في اختصار المقاصد, وقواعد الأحكام في مصالح الأنام, والإمام في بيان أدلة الأحكام وقد توفي العز بن عبدالسلام في تاريخ10 جمادي الأولي سنة660 ه الموافق1262 م في مصر. ويومها قال الظاهر بيبرس( الآن فقط دان لي حكم مصر).