ما حدث للمواطن المصري محمد مسلم في قرية كترمايا اللبنانية أكثر من فظيع. قبضت الشرطة اللبنانية علي الشاب المصري بتهمة قتل أربعة أفراد من عائلة لبنانية واحدة. بينما كانت الشرطة تنقل المتهم إلي موقع ارتكاب الجريمة هاجم حشد من الأهالي الغاضبين الشاب المصري وأوسعوه ضربا وطعنا حتي فقد حياته. لم يكتف الجمع الغاضب بقتل الشاب المصري, فمثلوا بجثته وعلقوها علي أحد الأعمدة. الجمع الغاضب من أهالي القرية لم يسمع بالمبدأ القائل بأن المتهم بريء حتي تثبت إدانته. قد يكون الشاب المصري ارتكب الجريمة أو لم يرتكبها, وهذا هو ما كان للقضاء أن يثبته. الأمم المتحضرة لم تشرع القوانين والإجراءات القضائية من أجل التزين بها إنما من أجل ضمان الحقوق والمصالح. تجنب أخذ الناس بالشبهات هو أهم النتائج الرائعة المترتبة علي دخول الأمم عصر القوانين ونظم العدالة والقضاء المتقدمة. شيء من هذا لم يحدث مع المواطن المصري المتهم عندما قررت الجموع الغاضبة أخذ الأمر بيدها. القصاص واجب وتوقيع العقوبة ضرورة لتثبيت الشعور بالعدل ولردع المعتدين, لكن تنفيذ العقوبة علي يد جموع غاضبة لا يضمن تحقيق العدالة. الدولة, والدولة وحدها, هي صاحبة الحق في القصاص وتنفيذ العقوبة حماية لأبرياء قد تضعهم الظروف في موضع الشبهات, وحماية للمجتمع من الارتداد إلي الهمجية. التحضر واللطف البادي علي أهل لبنان يخفي تحته بقايا من أخلاق الغابة والتوحش. هكذا كان لبنان في زمن الحرب الأهلية, وهكذا كانت قرية كترمايا يوم قتل أهلها محمد مسلم. مقتل الشاب المصري علي يد الجموع الغاضبة ليس مناسبة للتحريض ضد أهل لبنان أو العرب. في الجريمة دعوة لنا للنظر إلي أنفسنا في المرآة ففي مجتمعنا أيضا بقايا من بداوة وتوحش. مشهد الجموع الغاضبة وهي تهم بحرق مبني المجلس المحلي في أخميم قبل أيام فيه وحشية عصر ما قبل القانون. جرائم الثأر والشرف فيها وحشية وانفلات لا ينسجم مع دولة القانون. الجموع الغاضبة التي تهاجم دار عبادة قبطية مشتبه في عدم قانونيتها, أو التي تعتدي علي أقباط أبرياء بسبب قصة حب بين اثنين من المراهقين تتصرف بوحشية مماثلة. حرق مساكن ترجع لمصريين من البهائيين علي يد جيرانهم لا يقل وحشية عما حدث لمحمد مسلم في كترمايا. إذا أثار ما حدث للشاب المصري في لبنان غضبنا, فلنتوقف عن ادعاء البراءة, ولنحول هذا الغضب لطاقة تطهر مجتمعنا من أدران مماثلة.