لم يكن خلق الإنسان في هذا الكون بمجرد المصادفة ولكن كان هناك إعداد للكون لكي يستقبل هذا الإنسان المكرم فترة معينة من الزمان ثم يترك الحياة ليحل محله خليفته علي معاد ولذلك كان من غرائب الحياة أن يأتي الابن كي يخلع أباه فكلما كبر الابن شاب الأب حتي يأتي الموت فينهي حياته في سلسلة متصلة الحلقات منذ آدم إلي قيام الساعة دون أن يدرك الإنسان الغرض والهدف من هذه الحياة. واللافت للنظر في هذه الحياة أن خلق الإنسان بهذا الشكل المعجز يدرك أن وراءه قوة قاهرة حكيمة لا يخرج كل من الإنسان والكون عن إرادتها وعن سيطرتها وهيمنتها فالكل محكوم بقوانين الكون وقوانين الإنسان في تناسق عجيب يدل علي وحدة الخلق مع وحدة الخالق سبحانه وتعالي. ولذلك لم يكن مستغربا أن العلاقة بين الإنسان والكون هي علاقة حياة دائمة معها تفني أجيال علي مر الزمان في وجود مسافة وحيز بينهما لا يمكن إدراكه إذا قارنا بين مكونات الكون مع مكونات ووجود الإنسان في هذه الحياة فالمسافة والحيز التي يمكن أن يشغلها الإنسان في هذا الكون ضئيلة إذا قورنت بجلال وجمال وعظمة خلق هذا الكون الشاسع قال تعالي:( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) غافر57 فالمكان الذي يستحوذ عليه الإنسان في منامه واستيقاظه وفي صلاته وحركة حياته وفي مماته هي مساحة محدودة لا تتجاوز مترا في متر مع ان هذه المساحة القليلة لا تساوي شيئا إذا قورنت بمساحة المنزل والمساجد والحي والمنطقة التي تعيش فيها أو الدولة التي تنتمي إليها أو القارة وحتي الكرة الأرضية والمجموعة الشمسية فما بالك بالشمس التي يبلغ حجمها مليونا وثلاثمائة ألف مرة حجم الأرض التي نعيش عليها. وإذا قارنا ذلك بحجم مجرة درب التبانة التي ننتمي إليها والتي تساوي سبعمائة وخمسين مليار حجم شمسنا لوجدنا إن الإنسان لا يشغل شيئا من هذا الكون الفسيح إلا بقدر جسمه مقارنة بمخلوقات الله الاخري ومع ذلك خلق الكون من أجله وبنهايته ينتهي كل شيء في غياب العبرة والعظة التي كان يجب أن يتصف بها بنو البشر في معرفة قيمته وقيمة وجوده في هذه الحياة فيتخلي عن كبره وغروره ويعرف حقيقة نفسه التي لا تمثل شيئا في هذا الكون إلا من خلال الحيز الذي يشغله جسده دون زيادة أو نقصان.