قد تكون الاستهانة بالمحلي حاكما لدولة أو حكما لمباراة مردها إلي طبيعة الانسان العربي ونفوره النفسي من أن يكون محكوما لواحد من بني جنسه لما يغلب عليه من دواعي الأنفة والكبرياء وقد ظهر هذا المعني النفسي واضحا وهم يستنكفون أن يكون النبي المبعوث مثيلا لهم في البشرية أو واحدا من أقوامهم فهذه المثلية تثير في العربي غالبا دواعي الغيرة والحسد فهو يكره أن يتفوق عليه ابن عمه أو فرد من قبيلته ولهذا قالوا: نبي من الحليفين أحب إلينا من نبي من قريش, وكأن المشكلة عندهم في أن يكون المرسل إليهم من البيئة نفسها فزامر الحي عند العرب لا يطرب فإن كان هذا الزامر لينا تمردوا عليه وإن كان شديدا حازما صبروا علي حكمه حتي تحين الفرصة للتآمر علي قتله أو الخلاص منه وأعتقد أن تاريخ العرب قديما وحديثا حافل بهذه النماذج, ويحدثنا المؤرخ عبد الملك بن عمير عن ظاهرة التخلص من الحكام المحليين بشكل متتابع يلفت النظر فيقول: دخلت علي عبد الملك بن مروان قصر الكوفة عام71 ه فرأيت مشهدا أفزعني فسألني الخليفة: ما بك يا رجل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين دخلت هذا القصر سنة61 ه فرأيت رأس الحسين معلق علي ترس بين يدي عبيد الله بن زياد, وعبيد الله جالس علي السرير, ودخلت القصر سنة67 ه فرأيت رأس بن زياد معلق علي ترس بين يدي المختار الثقفي والمختار جالس علي السرير, ودخلت القصر في العام نفسه فرأيت رأس المختار معلق علي ترس بين يدي مصعب بن الزبير, ومصعب جالس علي السرير, ودخلت الآن فرأيت رأس مصعب معلق علي ترس بين يديك وأنت جالس علي السرير فوقاك الله السوء يا أمير المؤمنين.. ففزع عبد الملك وأمر بهدم الطاق الذي حوله.. نقرأ هذا وغيره في تاريخ العرب فلا نعجب من الصراع الدموي بين الأمين وأخيه المأمون في نزاعهما علي الملك بشكل أودي بحياة العديد من الأتباع وانتهي بقتل أحدهما. ولا تنشغل كثيرا بالأصوات التي انطلقت في مصر منادية بغزو أمريكي أو هجوم إسرائيلي يريح البلاد من حاكم محلي, ولا تعجب من وجود معارضة فقدت اتزانها في المطالبة بإسقاط النظام, لأنها المرة الأولي التي جاء فيها الحاكم بإرادة شعبية دون إشارات من البيت الأبيض وهي كذلك المرة الأولي التي يباح فيها للمعارضة أن تعبر عن إرادتها فهي تجربة جديدة لم يباشرها المصريون من قبل, والتجارب الجديدة دائما لا تسلم من أخطاء وعثرات حتي يألفها الناس. وليس من قبيل التشاؤم أن نستبعد وجود معارضة قوية واعية قبل مضي سنوات لأن منطق الأحزاب السياسية عندنا لايزال مكفنا بمفاهيم موروثة تجعل الحزب وأعضاءه فوق كل المصالح. ويجب أن نعترف بأن الصراع الحزبي في مصر لم يعد في معظمه صراعا سياسيا وإنما لعبت فيه الأهواء والايديولوجيات المتخاصمة دورا مؤثرا لا يمكن أن نتجاهل عواقبه في حاضر مصر ومستقبلها. ومن الآن فصاعدا قد لا يسلم أي حاكم قادم من مواجهة العنف أو طلب الرحيل إلا إذا نجحت عبقرية الحاكم في أن يجمع الكل في واحد, وقد استراح المصريون قديما للحاكم الأجنبي والمستورد فهل آن الأوان لكي نروض أنفسنا علي تقبل حاكم صنع في مصر قبل أن نستورد حكامنا من الصين؟