يخطيء من يعتقد أن أحدا مهما تكن قوته أو قوة تنظيمه أو قمة تدينه أو مدنيته يمكن أن يسيطر علي مقدرات الشعب المصري أو يصادر حريته أو ينتهك إرادته أو يعتدي علي معتقداته ومقدساته أو يأخذه ويمضي به في طريقه حيث هواه وشيطانه رغما عن أنفه دون وضع اعتبار لمكانته وتاريخه, في وجود كل هذه العواصف السياسية. فالشعب المصري عصي علي الاختراق ولن يتنازل عن قيمه وأخلاقه ومبادئه ودينه حتي ولو شوهها الآخرون أو ألبسوها لباس التقوي والإيمان أو حاول أحد انتزاعها بدعوي المدنية والتقدم والازدهار, لأنه لا اعتبار لمن يفعل هذا أو ذاك. وليعلم الجميع أن التوافق الوطني هو الحل الأخير أمامهم, ويحتاج إلي رجال متجردين من هوي السلطة وجشع النفس والبحث عن الذات, ومخلصين في حل مشكلات بلادهم حتي ولو كان ذلك علي حساب أنفسهم وأهوائهم, فهو يحتاج إلي رجال تتوافر فيهم الصدق والأمانة مع الإخلاص, لأن الكذب والخداع لا يمكن أن يوجد توافق أو يوجد نقاط التقاء بل علي العكس يوسع من الفجوة بين الطرفين في وجود انعدام الثقة, فمصائر الأمم والشعوب لا يصنعها كذابون, فالكذب والخداع ليس لهما ساقان يمشيان عليهما ومن السهل معرفة الكذاب عندما يعبر بكلامه الذي ليس له علاقة بما قاله بل تجده علي العكس والنقيض حتي يكاد يقول الكذاب خذوني بفعلتي وأقوالي. أما الصادق فكلامه يتطابق مع أفعاله ويصبح حقائق علي أرض الواقع وإذا أراد الكلام أو الحديث عن الماضي في الحاضر فإن كلام الماضي لا يختلف عن كلام الحاضر في حالة الصادق الذي دائما ما يكون أمينا كما عهدنا عن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الذي كان يتصف بهاتين الصفتين العظيمتين, والكذاب تجد كلامه دائما لا ينطبق مع الواقع وإذا أراد أن يكرر كلامه الذي قاله في الماضي فإنه يختلق الكلام ويقول في الحاضر ما قاله عكسه في الماضي ويحاول أن يلبس علي الناس حتي لا يتمكن أحد من اكتشاف كذبه في كلامه, والكذاب لا يكون أمينا بأي حال من الأحوال علي نفسه ولا علي أهله وبلده. والغريب في كل ذلك أن الكذاب لا يمكن أن يداري كذبه فلسانه يفضحه دائما حتي ولو قال كلاما سياسيا علي نحو أن خصومه قاموا بلي عنق الحقيقة أو أنهم يريدون أن يوقعوه في شر أعماله علي عكس الصادق الأمين الذي لا يغير أقواله علي طول سنوات عمره لأنه يذكر الصدق ويقول الحقائق دون لي عنق الكلام أو تحريفه وتبديله, بل إن العلم الحديث قد توصل إلي طرق عديدة ومختلفة لكشف الكذاب ومعرفة ما يدور في خلده والأدل علي ذلك التسجيل الصوتي أو الفيديو قبل وبعد الكذب أو حتي وجود جهاز كشف الكذب في الدول المتقدمة لمعرفة الكذاب من الصادق من خلال أفكاره. فلم يعد الكذاب قادرا علي أن يخفي كذبه أو يموه عن نفسه أو يداري حقيقة قوله وفعله إنما أصبح مكشوفا أمام نفسه وأمام الجميع وعلي الجميع أن يتحروا الصدق في كل كلامهم وأفعالهم قبل اكتشاف حقيقة أمرهم ويجب أن يكون العقاب بعدم إسناد أي مسئولية للكذاب حتي ولو علي أسرته إلا بعد أن يتعلم الصدق ويغير نهج حياته, والغش والتزوير هما نتاج الكذب, وبهما وعليهما لا يمكن صناعة أمة أو إقامة دولة عوضا علي أنهما لا يقومان فردا أو يعدلان أسرة, وإذا كنا نعتقد أن الفرد هو أساس الأسرة وأن الأسرة هي اللبنة الأولي في المجتمع فإن النتيجة المترتبة علي الكذب والغش والتزوير هو انحراف الفرد وانهيار الأسرة وتفكك الدولة وضياع الأمة ومن هنا كانت أهمية الصدق والأمانة في حياة الأمم والأفراد. فلن ينطلي الكذب وألاعيب الغش والتزوير علي المصريين بتغير الحكام لأنهم هم الذي يرون بأم أعينهم تمثيلية الانتخابات وما يحدث في الصناديق مما ينعكس سلبا علي فقدان الثقة في النخبة ومن يمثلهم بعد أن أصبح الكذب والغش والتزوير قانونا يتنفسونه كالشهيق والزفير في الوقت الذي ينهار فيه الاقتصاد وبالرغم من معرفة أن كل هذا سيؤدي إلي انعدام الضمير ونشر الفساد في كل مكان في الوطن وكل خطوة يخطوها الناس لا من أجل الاصلاح والتغيير كما يعتقد المرضي من الناس الذي تحول معهم الكذب والغش والتزوير إلي عقيدة. وهذه آفة أصابت المجتمع المصري الذي يعبر به حكامه ومعارضوهم من أجل إخفاء الحقائق ولي الكلام عن موضعه من أجل تحويل الكذب إلي حقيقة والغش والتزوير إلي أمانة ليس لها علاقة بالواقع في غياب النموذج الذي يوجد الصادق الأمين ويلفظ الكذاب الخائن وهذه أبسط قيم وسلوك الإسلام الحنيف الذي دعا إليه ويجب أن يتعلمه المسلمون ويطبقونه علي أرض الواقع وإلا خرجوا من الاطار الذي رسمه حتي ولو أدعوا غير ذلك في الشكل والمظهر والتكوين في غياب الجوهر الذي يدل علي النبع الصافي لهذا الدين القويم, فعلي النظام ومعارضيه أن يتعظوا من دروس التاريخ والماضي القريب وأن يعلموا أنهم كانوا جزءا لا يتجزأ من النظام السابق الذي صنعهم علي عينيه ودفع بهم إلي الشهرة حتي تمكنوا من السلطة, وما رؤوس النظام البائد عنهم ببعيد فمصر عصية علي الاختراق والتطويع إلا بما يصب في صالح شعبها الأبي المعطاء وإلا ستكون النتيجة أن يذهبوا جميعا حيث ذهب سابقوهم دون أسف عليهم كما فعل بأشياعهم الأولين. رابط دائم :