يحرص الإسلام علي أن تقوم حياة الأمة علي الوحدة والاتحاد, فتكون يدا واحدة وقلبا واحدا, لتستطيع في ظل هذه الوحدة أن تبني نهضتها وتقيم مجتمعها علي دعائم راسخة, وتواجه مشكلاتها, وتباشر نشاطها في الميدان الداخلي, فيشيع فيها الأمن والاستقرار, فتنهض بصناعتها وزراعتها وتجارتها وشتي مرافق الحياة فيها, كما تستطيع أن تباشر مثل هذا النشاط في الميدان الخارجي, فتحمي حريتها واستقلالها, وتقف في المجال الدولي موفورة العزة والكرامة. وأي أمة يدب الخلاف فيها, تتفرق كلمتها, وتتمزق وحدتها لا تستطيع أن تنهض بحياتها في الداخل, أو تدفع عنها عدوان الطامعين إذ يشغلها حينئذ ما يشيع فيها من فرقة, وما تضطرب به من المكائد والفتن, وأحداث التاريخ تنطق بذلك في كل عصر وفي كل دولة, وحسبنا أن نرجع إلي تاريخ الأمة العربية, حيث نري أنها حين اتحدت كلمتها, بلغت أعلي درجات القوة والعزة, كما كانت زمن سلفنا الصالح. * وحرصا علي وحد الأمة وسلامة بنائها, حرم الإسلام إثارة العداوة والبغضاء بين الناس, كما أمرنا بالتخلي عن أسباب الفرقة وأوجب التدخل بكل طاقة ممكنة لوقف الخصومات والعداوات, وإحلال الحب بدل البغض, والوئام بدل الخصام, والسلام بدل النزاع, قال سبحانه: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم سورة الأنفال آية1 كما قال سبحانه: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين. إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون سورة الحجرات آية9 و10. * وقد توعد الرسول صلي الله عليه وسلم من يفرق وحدة الأمة أو يعيبث فيها فسادا بأشد العقاب فيما رواه الإمام مسلم فشي صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية, ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبته, أو يدعو إلي عصبة, أو ينصر عصبة فقتل, فقيلة جاهلية, ومن خرج علي أمتي يضرب برها وفاجرها, ولا يتحاشي من مؤمنها, ولا يفي بعهد ذي عهدها فليس مني ولست منه: فالمتمرد الذي شق عصا الطاعة, وخالف إجماع الأمة, ثم أدركه الموت قبل أن يتوب مات ميتة جاهلية بعيدا عن حظيرة الإسلام, والشخص القوي الأحمق الذي لا يتحري الحق, فلا يكاد يري عصبة تقاتل في سبيل الباطل حتي يندفع اليها, مثل هذا الشخص إذا ظل علي موقفه هذا ثم قتل كانت قتلته جاهلية كذلك, والمجرم الباغي الذي يروع أمن الأمة وينشر الذعر, كالقتلة وقطاع الطرق, والمجرمين الخطيرين الذين يحاولون تفتيت وحدة الأمة, أمثال هؤلاء براء من الدين, والدين منهم براء. إن وحدة الأمة توفر لها فرص العمل للبناء والتقدم, وتكفل لها صون حريتها وكرامتها, وواجب أبناء الأمة أن يتعاونوا ويعملوا جادين علي تحقيق هذه الوحدة. وإن الأصوات التي تنادي بالقومية العربية للعمل علي وحدة الأمة تتخذ من الدين الحنيف أقوي سند يؤيدها ويشد أزرها والله سبحانه وتعالي يقول: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم سورة آل عمران آية103