إن ضياع الانسان المعاصر( الغارق) في بحر ظلمات الحياة المادية وليد الاحساس بأن العالم قد أصبح بالنسبة إليه( شيئا) لا( موضوعا) قريبا أو بعيدا يمثل بالنسبة إليه كسبا تحققه الإرادة أو الرغبة. إن الضياع تعبير عن الإحساس بالتفاهة أو اللامعني, والانسان يشعر بأنه قد أصبح تافها أو عديم المعني حين يضطرب أو تختل تلك العلاقات القائمة بينه وبين العالم.. ومن هنا فإن ما يهدد الانسان الفرد في كل لحظة إنما هو فشل( الحضارة في العالم) ان انعدام العلاقات الحية( المعاشة) هو الذي يخلع علي الوجود البشري إحساسا عميقا بالخواء... وإن الضياع هو الهبوط إلي مستوي( التشيؤ) حيث لا يكون هناك سبيل إلي استعادة الاحساس بالحياة وحب الحياة إلا بالعمل علي تنشيط الروح البشرية التي من شأنها أن تجعله يفتش في نفسه عن أسمي ما فيها.. خبرته الانسانية, وفطرته الطيبة.. وقيمته التي أراد الله له أن يكون عليها. وإذا كانت الضرورة الاجتماعية تلزم الانسان الفرد الواعي بمقدراته كإنسان أن يري بوضوح ويدرك بإمعان ويتدبر كل الأمور المتعلقة بحياته واستمراره السوي مؤديا دوره في الحياة. وإذا كان الانسان في بعض لحظات عمره قد يحتاج إلي أن يترك أموره للآخر بثقة الذي يريد أن يرتاح, وبهدف الذي يريد أن يغمض عينيه لكي يعطي هذا الآخر الفرصة لكي يري ما لا يستطيع رؤيته.. فإن هذا العقد المبرم بين الانسان والآخر لابد وأن يتم علي درجة عالية من الصفاء والنقاء حتي تتم تلك الرؤية. ولما كان الانسان يحتاج إلي الانفعالات كما يحتاج إلي الهواء والماء ولكن هذه الانفعالات إذا زادت عن حدها انقلبت إلي ضدها فالصراع النفسي يؤثر تأثيرا معينا علي الجسم ولعل فرع( السيكوسوماتيك) ونعني به دراسة الأمراض النفسية العضوية خير شاهد علي ذلك, ويوضح بجلاء كيف تؤثر الانفعالات الحادة في المسار العضوي للانسان ومن هذا المنطلق يحسب الانسان حساباته الانفعالية تلك التي تؤثر بدرجة كبيرة علي حالته العضوية وتكشف في نفس الوقت أعماقه النفسية وتفصح عن معاناته وصراعاته وتوتراته. ولما كان الانسان كما يقولون( لحم ودم) تعبيرا عن شدة تأثره وانفعالاته فإن رؤية الانسان الفرد لنفسه وللآخرين وما يتعلق بهذه الرؤية من مجالات ضاغطة ومواقف مسرفة الشدة, قد يؤدي إلي حدوث الانفعالات المسببة للمرض العضوي. والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه: إلي أي حد تؤثر هذه الانفعالات في الانسان الفرد, وكيف تتأرجح درجة التأثير بالمجهود العضلي والعقلي الذي يبذله الانسان الفرد في معاملاته وتفاعلاته؟ وقد يكون من الممكن أن نجيب عن هذه الأسئلة علي الوجه التالي: إن الصورة الفردية للانسان تتحكم في سلوكه وتطلعاته إزاء المستقبل وهذا التصور يمثل كيف يري الانسان مستقبله وكيف تتجسد هذه الرؤية وإن الانسان بوصفه يملك مجموعة من الامكانات ويريد أن يحقق ما يريد فلابد وأن تصاحبه مجموعة من الانفعالات التي تواجهه إزاء الوقائع والأفعال, وعلي كل فرد إلا أن يحاول تحقيق ذاته عن طريق تحويل الامكان إلي واقع. وإذا كنا قد حرصنا علي إبراز أهمية الانفعالات, وكيف ينعكس أثرها علي صحة الانسان النفسية, فإن انسان العصر الحديث قد أصبح مستهدفا للأمراض العضوية والنفسية بعدم توظيفه للانفعالات التوظيف السليم وهذا الحرص يدفعنا إلي أن نشير إلي رؤية الآخر للانسان خاصة عندما يحدث التفاعل أو التعاون في عمل مشترك فنجد التناحر والتنافس وأن كل فرد يريد أن يري الآخر برؤية أقل من رؤيته لنفسه وأن هذا الآخر لا يعدو أن يكون زميلا أو صديقا أو محبا ولكن مع إيقاف التنفيذ ونعني هنا بالتنفيذ إنني أحبك لكن ليس أكثر من حبي لنفسي وأيضا أنا أحب منفعتك ولكن بعد أن تتحقق منفعتي..) وإذا كانت رؤيتي تجعلني أطمئن إليك ولكن رؤيتي هذه لا تعدو أن تكون( مصلحتي) وتحقيق رغباتي وما أتطلع إليه!! وكانت نتيجة هذه الرؤية المحدودة بالمصلحة الشخصية... ان جعلت إنسان العصر الحديث( الراهن) يصاب بالانفعالات في مكمن الداء.. وأعني به المسار السليم لصحته النفسية, وبدأت تظهر عند البعض بعض الأعراض المرضية نتيجة لهذه الرؤية الضاغطة والمحدودة بحدود( المصلحة الشخصية) فظهرت نتيجة لذلك الأعراض التالية. المغالاة في تصور المرض وما يصاحبه من أعراض بسيطة: وقد أدي هذا الشعور بأن فقد بعض الأفراد التعامل مع الأمراض العضوية وإذا كانوا يشكون من آلام واضطرابات يصعب تبينها ولا يوجد لها أساس عضوي واضح ويبدو عليهم دائما توهم المرض, ذلك التوهم يجعلهم ضعفاء أمام المشكلات التي تواجههم ولا يستجيبون لها, وتدفعهم انفعالاتهم غير السوية بالمغالاة في تصور المرض. النظرة المتشائمة للأمور: كثيرا ما يميل هؤلاء إلي النظرة المتشائمة للأمور ولا ينظرون إلي المستقبل ويتصورون وهما أن الزمن قد انقضي بالنسبة لهم وقد فات الكثير وما بقي إلا القليل... ونتيجة لذلك يبتعدون عن التفاعل الاجتماعي والانسحاب من زحمة الحياة والعزوف عن ممارسة النشاط وعدم الاقبال علي الحياة ببهجة وحيوية فيفسدون علي أنفسهم حيواتهم وتضيع منهم بهجة ورونق الحياة. شعور الفرد بالاضطهاد والافراط في تقدير الذات وهؤلاء لا يتفاعلون مع الآخرين, وفي تعاملهم يتسمون بالتشكك والحساسية الزائدة وتسيطر عليهم هواجس الاضطهاد التي تمنعهم من الاتصال بالآخرين, ودائما ينظرون لأنفسهم علي أنهم فريسة لهذه الضغوط المستمرة التي جعلتهم في موقفهم الانفعالي الحاد لأنهم يرون أنه لا يوجد أحد لديه الاستعداد أن يرحمهم أو أن يخفف عنهم وطأة العمل أو يساعدهم علي مواجهة الظروف. الحماس الزائد وما يصاحبه من توترات وانفعالات: والغريب في أمر هؤلاء الأشخاص أنهم يتميزون بالخطط الطموحة وإن تطلعاتهم الزائدة تجعلهم يسرفون في أعمال الخيال مما أوقعهم في مشاكل كثيرة لأن مثل هذا الحماس الزائد قد جعلهم يقومون بعدد كبير جدا من الأعمال مما يجعلهم في حالة من التوتر والانفعالات الحادة. المخاوف المرضية والسلوك القهري: وتعاني هذه النماذج أيضا من وجود مخاوف مرضية وسلوك قهري صريح يتمثل في القيام ببعض التصرفات الرتيبة فهم لا يستطيعون الهروب من الفكرة المتسلطة, وتستند مخاوفهم علي أسباب غير معقولة, فهم يفكرون في ان الآخرين لا يمثلون الثقة التي تجعلهم يرتاحون لهم هكذا تفعل الانفعالات غير السوية فهي تشوه صورة الانسان وتقضي علي راحته النفسية. رابط دائم :