التظاهر السلمي علي أنواع، فقد تكون مظاهره مصرحا بها، ولكنها خرجت عن خط سيرها وأصابها الفوضي والغوغاء. وقد تكون مظاهرة تقوم بها جماعة مصرح بها للمطالبة بالحقوق أو رفع الظلم، أو نحو ذلك، وقد تقوم بها للمطالبة بالحقوق المشروعة لأفراد المجتمع، وقد تقوم مظاهرة هدفها التغيير السياسي. ومما يقره الشرع من ذلك حق التظاهر للمطالبة بالحقوق المشروعة لطائفة من المجتمع أو لكل طوائفه، أو رفع الظلم والجور عنهم، إذا لم تجد الوسائل التقليدية للحصول علي هذه الحقوق أو رفع الظلم، ولكن التظاهر وإن كان حقا فإنه لايوجد حق مطلق في أي شريعة من الشرائع، بل كل حق مقيد بضوابط للمطالبة به أو بممارسته، حتي لا يكون تجاوزا وانفلاتا وفسادا، وحق التظاهر من هذا القبيل، فله ضوابط عدة يجب اعتبارها فيه، وإلا كان مجرما شرعا، من هذه الضوابط: 1- أن يوجد المقتضي الشرعي للتظاهر. 2- ألا توجد وسيلة مشروعة أخري تغني عنه في المطالبة بالحقوق المشروعة أو رفع الظلم عن الناس. 3-ألا يترتب عليه تعطيل مصالح الناس، أو الحيلولة بينهم وبين حصولهم علي حاجياتهم. 4- ألا يترتب عليه ترك العمل في مؤسسات الدولة، أو العصيان المدني، أو توقف عجلة الإنتاج. 5- ألا يترتب عليه تضييق الطريق علي الناس، أو منعهم من المرور في الطرقات. 6- ألا يقترن به إتلاف أنفس أو أموال أو ممتلكات عامة أو خاصة، أو الاعتداء علي الأفراد أو الجماعات . 7- ألا يقترن به محظور شرعي، كتخويف الناس أو إرعابهم، أو انتهاك حرماتهم، أو قطع الطريق عليهم، أو سبهم أو إغلاظ القول لهم، أو اختلاط الرجال بالنساء. 8- أن تكون ثمة فائدة مرجوة من القيام به، وأن تنعدم هذه الفائدة عند انعدامه. وكل هذه الضوابط مدلول عليها بأدلة شرعية، ومن ثم فإنه عند عدم مراعاة هذه الضوابط يكون التظاهر غير مشروع، لما يفضي إليه من مفاسد، وهذه المفاسد مقدمة في الدفع علي المصالح التي تبتغي من إجراء التظاهر، باعتبار أن قواعد الشرع تقرر أن (درء المفسدة مقدم علي جلب المصلحة). ومن الأدلة علي مشروعية التظاهر السلمي: ما أقنع به عمر بعد إسلامه رسول الله صلي الله عليه وسلم بإعلان إسلامه علي قريش في فناء الكعبة، وخروجه وحمزة في صفين من المسلمين حتي دخلوا المسجد الحرام، ليعلنوا علي الناس إسلامهم وما روي أنه جاء رجل يشكو جاره فقال له اذهب فاصبر، فأتاه مرتين أو ثلاثا، فقال له النبي صلي الله عليهم وسلم: أذهب فاطرح متاعك في الطريق ففعل، فجعل الناس يمرون ويسألونه ويخبرهم خبر جاره، فجعلوا يلعنونه، وبعضهم يدعو عليه، فجاء إليه جاره فقال: ارجع فإنك لن تري مني شيئا تكرهه".