افتتاح الرئيس لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والأربعين مثل فرصة لم تتم لعقد لقاء بين الرئيس وشتي القوي السياسية والثقافية, للتحاور حول رؤيتهم وأفكارهم للمرحلة الحالية والمستقبلية للبلاد, وتصفية الخلافات وتوحيد الصفوف من أجل النهوض بمصر, وللأسف لم يحدث اللقاء المأمول عمدا أو جهلا وفاتت فرصة عظيمة لتوحيد القوي التي تشاركت في صنع ثورة25 يناير وأسهمت في إنجاحها. كان يمكن أن تكون إقامة معرض الكتاب علي حد تعبير الرئيس نفسه بمثابة حجر زاوية للانتقال السياسي والثقافي والمعرفي للوطن, فالثقافة والمعرفة هما الوعاء الحامل لمعاني ثورة25 يناير وشكلها, والمتمثلة في تنوع وجهات النظر نتيجة لتباين أشخاص ونوعيات المشاركين فيها, إذ تمثلت في الثورة كل فئات الشعب: مسلمين وأقباطا, مثقفين وأميين إسلاميين وليبراليين, عمالا وأساتذة جامعات, وهي معلومة يعلمها الرئيس ويستوعبها جيدا, وما أحسبه إلا راغبا في لم الشمل وتجميع الشتات, لتتوحد البلاد من أجل البناء والتطلع إلي المستقبل. فالحوار ليس هدفا في حد ذاته لكنه وسيلة لتوحيد الرأي وبلوغ الغايات, والعبور بالبلاد إلي المرحلة التي يتطلع إليها كل مصري مخلص لوطنه محب لبلاده, ونحن اليوم أحوج ما نكون إلي نبذ الانقسام وتوحيد الجهود, لبلوغ ما نطمح لتحقيقه, وهو أمر ليس بالعسير إن خلصت النيات, وقد كان في عنوان المعرض حوار.. لا صدام ما يدل علي وعي القائمين علي أمره, بحاجة الوطن إلي إرساء قواعد الحوار المبنية علي تعدد الرؤي وتوحد الهدف, والدفع بالمثقف ليمارس دوره الطليعي في خدمة وطنه, وتفيعل الدور المحوري والريادي للثقافة في توجيه المجتمع, وهذا لن يتأتي إلا في ظل ديمقراطية ثقافية, تحتفي بالمثقف بغض النظر عن أيديولوجيته, وترد علي الرأي بالرأي وتنبذ خطابات التخوين والتكفير والعمالة, وتعيد الروح لمثقف النخبة( الانتلجنسيا) الذي أيقظته ثورة25 يناير من انكفائه علي نفسه, ليمارس دوره الطبيعي في غرس قيم الحرية والديمقراطية في الشباب الذين هم غد الوطن ووقود التنمية. ومهما قيل أو يقال عن علاقة المثقف بالسلطة مهادنة كانت أم صداما فإن الواقع يؤكد أهمية وجود هذه العلاقة ويفرضها, ووسيلتها الحوار البناء القائم علي احترام الطرفين السلطة والمثقف لتعدد وجهات النظر والإيمان بثقافة الاختلاف, ورضاء الأقلية بما تختاره الأغلبية, واحترام الأغلبية لحقوق الأقل, وعلي السلطة أن تدرك أن زمن المثقف المستأنس قد ولي وأن مثقفي الحظيرة لم يعبروا يوما عن تطلعات الشعب أو هموم المثقفين, وأن مرحلتهم قد ولت, وبات ضروريا النظر للمثقفين باعتبارهم شركاء في حق المواطنة وليسوا أتباعا أو رعايا, والانصات بجدية لأصواتهم المعبرة عن الإرادة الشعبية, وتشجيعهم علي الإسهام في صياغة مستقبل وطنهم ورسم ملامح تنميته. إن الناظر لحال مؤسساتنا الثقافية بعد الثورة يجدها تحيا حالة من التيه جعلها غير قادرة علي التواصل الحقيقي مع كتائب الثقافة, فالترهل والضمور قد أصاباها في مقتل, وتوالي خمسة وزراء خلال أقل من عامين علي شئونها قد حال بينهم وبين إجراء أي إصلاحات أو وضع مخططات فاعلة للنهوض بالثقافة, وما أحسبهم إلا نادمين لتولي مسئولية وزارة تعشش المشاكل في كل ركن من أركانها. ويبقي اللقاء بين الرئيس والمثقفين ضرورة لابد منها, فليس بخاف علي أحد أن هناك توترا في العلاقة بين كثير منهم والسلطة التنفيذية, توتر أساسه تخوفهم مما يشاع علي غير الحقيقة من تقليص مضمون الثقافة ليقتصر علي المجال الديني, وإحلال المثقف الديني المكانة التي كان يحتلها مثقفو الحظيرة في العهد البائد, وهو خوف تزكية برامج حوارية غير مسئولة تذيعها الفضائيات الخاصة كل يوم, تزكيه الخلافات بين أبناء الشعب وفي مقدمتهم المثقفون. ويظل الإعداد للقاء موسع بين الرئيس والمثقفين وقادة الفكر وشباب الثورة مطلبا ملحا تتطلبه المرحلة الحالية, من أجل كسر الجدار الحاجز بينهما وصياغة علاقة صريحة ومباشرة بين الطرفين لصالح الوطن, علاقة تقوم علي الاحترام والحوار العلمي الهاديء, وطالما الهدف واحد فلن نخسر شيئا, وإنما سنكسب أرضية جديدة لبناء التطلعات وتحقيق الآمال في وطن مستقر قوي, فيد واحدة لن تصفق. [email protected]