من الطبيعي خلال المرحلة الانتقالية ان يسود اللغط والتضارب في الآراء حول أي موضوع يطرح أو قضية إلي ذلك الحد الذي يصل إلي حد التصارع والانتقادات الحادة التي تثير الشكوك وقد تصل في بعض الأحيان إلي التخوين, ولعل ذلك هو أحد المتغيرات الجديدة السلبية التي ظهرت عقب الثورة, والتي توقعنا ان تنتهي تدريجيا بمرور الأيام واستقرار الأوضاع والوصول إلي تلك الدرجة من التوافق والأرضية المشتركة التي لابد وان تكون وإلا فإن الفترة الانتقالية سوف تطول إلي ذلك الحد الذي لايعوض معه فقط الثورة وما لها من مكتسبات, ولكن أيضا مستقبل الوطن, ويجرنا إلي متاهات نحن في غني عنها ولن تكون لمصلحة أحد علي الإطلاق, لذلك أصبح الانتقاد الذي مبعثه الخوف وعدم الثقة ما بين القوي السياسية علي مختلف انماطها وانتماءاتها واصبحنا امام شعب ممزق في وسط تلك الثرثرات والمكلميات التي تعج بها الفضائيات ومختلف وسائل الإعلام حول المشروعات والمقترحات التي تطرح وكذلك المبادرات سواء علي المستوي السياسي أو الاقتصادي الذي يتم التركيز عليه هذه الأيام علي نحو كبير من أجل محاولة الخروج من ذلك المأزق علي المستويين السياسي والاقتصادي, وإن كان التركيز هذه الأيام علي المأزق الاقتصادي علي الرغم من انه لايمكن الفصل ما بين الملفين السياسي والاقتصادي وتلك العلاقة الارتباطية بينهما لذلك فعندما طرح مشروعان أو ثلاثة للصكوك الإسلامية وبغض النظر عن التسمية التي قد يري البعض انها لا ضرورة لها ولكن مع ذلك فإن هذه التسمية قد تكون لازمة لإعطائها طابعا مميزا عن غيرها وأيضا لكي ما تضفي عليها المصداقية لدي الكثيرين ممن سيقومون بشراء هذه الصكوك التي تمثل حقوقا لهم وفي الوقت ذاته تمثل التزاما علي الجهة التي تصدرها وهي الحكومة وعلي الرغم من ان الصكوك ليست بالبدعة أو بالأمر الغريب إلا أنها إحدي الأدوات الاقتصادية المالية التي يتم اللجوء إليها وذلك لإدارة النشاط الاقتصادي ولكي تحقق المزيد من التنمية له ولكن علي الرغم من ذلك فقد دار حولها جدل كبير اعتقد ان ذلك الجدل ما كان ليوجد لولا تلك الظروف التي نمر بها في تلك المرحلة الانتقالية أو مرحلة المخاض والتي يغيب عنها علي نحو كلي وجزئي التوافق وشيوع أجواء التخوين والشك وقبل هذا وذاك تلك المصالح المتضاربة والمتعارضة والتي قد تصل إلي النقيض ما بين مختلف الأطراف الفاعلة علي الساحة السياسية وتلك الأرضية المليئة بالشائعات والأخبار وبالونات الاختبار التي اطلقتها القوي السياسية وقد لايكون القصد منها شيئا ولكن قد تطلق بحسن نية ومن منطلق الدفاع عن مصلحة الوطن وحمايته وذلك يتوقف علي عامل الإدراك لدي هذه القوي السياسية أيا تكن مصادر هذا الإدراك بطبيعة الموقف وما هو الصالح العام أو المصلحة العامة والتي في ظل عدم التوافق لن يكون هناك اتفاق أو تعريف وتحديد لذلك المفهوم وهو ما يؤدي الي ما يحدث الآن والذي من المؤكد انه لن يعمل لمصلحة البلد أو أي طرف من الأطراف, وعندما طرحت فكرة الصكوك قامت الدنيا ولم تقعد وبدأت المكلميات وبدأت تحليلات رجال الاقتصاد والسياسة ولا سيما بعد ان رفض مجمع البحوث الإسلامية فكرة مشروع أو مقترح الصكوك وذلك بدعوي انها تنطوي علي مسائل أمنية كبيرة ولا سيما عندما تتعلق بالمشروعات الكبيرة مثل قناة السويس والسد العالي وبعضهم قد استرجع التجربة القديمة لقناة السويس التي تم حفرها من خلال طرح صكوك من قبل الخديوي فرنسية وبريطانية ولكنا يعرف هذه القصة التي تدار حول الامتيازات الأجنبية وامتياز قناة السويس للشركة العالمية لمدة99 عاما وعندما طرح عبدالناصر مشروع السد العالي وقوبل بالرفض من قبل الصندوق الدولي قام بتأميم قناة السويس والتي أعقبتها حرب(1956) علي مصر وكلنا يعرف طبيعة الظروف الدولية وقتذاك وقد كانت الولاياتالمتحدة قد بدأت تأخذ دورها كدولة عالمية عظمي علي الساحة الدولية وكان لها دور كبير في هذه الأزمة وذلك مع الإنذار السوفيتي وقد استاءت من تصرف بريطانيا وفرنسا ورأت انهما قد تصرفا باستقلالية عنها أيا كان الأمر فإن استرجاع هذه الخلفيات علي الرغم من اختلاف الظروف المحيطة والملابسات وكذلك اختلاف طبيعة المجتمع الدولي أي النظام السياسي الدولي الذي يسود الآن القطب الوحيد بعد ان كان نظاما قطبيا ثنائيا أثناء أزمة السويس وإن لم يعد نظام قطب وحيد محكم إن جاز التعبير تحكم فيه الولاياتالمتحدة سيطرتها وقبضتها علي العالم ولكنه نظام أصبح مرنا إلي حد ما, بحيث أصبح للقوي الدولية الأخري كالاتحاد الأوروبي والصين دور سيادي ومؤثر ولعل تلك الخلفية التي أشيعت حول الدور القطري المرتقب وعلاقتها بالإخوان وأنهم سوف يبيعون قناة السويس كما سبق وان ترددت هذه الشائعات من قبل وكذلك ما أثير حول طرح مشروع شرق بورسعيد لإقامة مشروعات تنموية في هذه المنطقة وان يمنح امتياز لهذه المشروعات سوف نكون متضررين ثم يمكن ان تؤدي إلي تحكمها في ذلك الممر الملاحي الاستراتيجي المهم, هذه هي الحقيقة التي أدت إلي ذلك التشكك الكبير حول هذه الصكوك ولا نقول هذه فقط الصكوك ولكن عند طرح أية وسائل اقتصادية يمكن ان تساعد في تحقيق التنمية ونهوض الاقتصاد المصري وإقالته من عثرته أو كبوته لذلك رأي البعض ان مشروع الصكوك سوف ينطوي علي جوانب أمنية كبيرة وذلك عندما يتم طرحها علي المشروعات الاقتصادية ذات الطبيعة الاستراتيجية ولديهم التجربة التي ساقوها أو يستندون عليها قناة السويس والسد العالي وهنا يمكن القول بأن مفهوم الأمن الغذائي يعد من المفاهيم السياسية الفضفاضة والتي يمكن فيها الوقوف علي تعريف محدداتها وهي تختلف من دولة لدولة وأنه لم يعد مقصورا علي النواحي أو المنطقة العسكرية أي في شكله الواضح والمباشر ولكنه اصبح الآن يمتد ليشمل كل تصرف أو إيماءة من الدول الأخري قد تري منها القيادة السياسية انها تمثل أحد مصادر التهديد للأمن القومي أي مكافحة أحد الأوبئة( كالبلهارسيا مثلا) تعد أحد مصادر تهديد الأمن القومي المصري كما ان الاعتداء علي حقوق أحد المصريين في الخارج أو احتجازهم يعد من قبيل المسائل التي تندرج تحت الأمن القومي, لذلك فإن المفهوم علي الرغم من انه من المحددات التي لابد وان تؤخذ في الاعتبار, إلا ان التمادي فيه والأخذ به علي إطلاقه لابد ان يعطل الكثير من المصالح ويفتح الباب أمام الاختلاف ما بين هذه القوي المتصارعة والمتضاربة والتي تحكمها المصالح الشخصية في بعض الأحيان, لذلك فإن تقنين أو تحديد ذلك المفهوم لابد وان يكون واضحا وإلا أصبح حجر عثرة, ويري البعض انه لابد من وجود ضمانات, وأنه مهما وضع من ضمانات فإنه يتم تحديد نسب الدول الأجنبية في هذه المشروعات, من خلال الصكوك بما يضمن عدم سيطرتها وهيمنتها فإن الشك يظل قائما, وحتي لو تم استبعاد المشروعات الاستراتيجية. دكتوراه في العلوم السياسية [email protected]