عندما انطلق الأهرام المسائي في17 يناير1991 كان العدوان العراقي علي الكويت, قد قسم الوطن العربي إلي شطرين, وبدأت الخطوة الأولي, علي طريق إعادة صياغة خارطة المنطقة, بشكل أكثر دراماتيكية, من ترتيبات سايكس, بيكو, التي أجريت بالمشرق العربي, إثر نهاية الحرب العالمية الأولي. عاصر المسائي في رحلته من أكثر من عقدين, الكثير من التطورات, والمتغيرات الإقليمية والدولية العاصفة, تفاعل معها وتأثر بها, ولكنه في ذات الوقت, انطلق من بوصلة واضحة ومواقف مبدئية, وجهت حركته. وقد التزمنا بموقف واضح وصريح, بمناهضة الاحتلال الأمريكي للعراق, وتأييد المقاومة الباسلة التي تصدت له, والتي عبرت عنه, بوضوح مقالات الكاتب الصحفي مرسي عطاالله مؤسس الجريدة ورئيس تحريرها الأول, ولم نقبل بمنطق فرض الديمقراطية بالمنطقة, الذي بشرت به إدارة الرئيس الأمريكي, جورج بوش الابن, واعتبرته ذريعة للعدوان علي الأمن, فليس أسوأ من الاستبداد, الذي يصادر حرية المواطن سوي الاحتلال, الذي يصادر الوطن وحرية المواطن علي السواء. أما قضية العرب المركزية, فلسطين فلم تعد عروبتها ومسألة تحريرها, شعارات ترفعها حناجر الملايين, التي تجمعت في الميادين, في موسم الثورات والاحتجاجات العربية, بل تراجعت كثيرا إلي الخلف. وبالرغم من ذلك ظلت مسألة تحقيق الوحدة الفلسطينية أملا, باعتبارها المدخل, الذي لا غني عنه لأي دعوات جادة لمقاومة الاحتلال الصهيوني, وضمن نخبة متميزة من كتابها رأي المؤرخ الفلسطيني الراحل فيصل الخيري في الصراع بين حماس وفتح تمزيقا للجهود وإسهاما في تكريس الاحتلال. ووقف الأهرام المسائي بقوة مع حق الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية, بما فيها حق التعبير, والحق في التجمع السياسي والنقابي, والمشاركة في صنع القرار, والتداول السلمي للسلطة, عن طريق صناديق الاقتراع, والعدل الاجتماعي, وساندنا الكفاح الشعبي ضد الديكتاتورية وأنظمة الاستبداد, لكن ذلك لم يجعلنا نتهاون أو نتردد عن فضح المشروعات الاستعمارية التي تهدف إلي إخضاع المنطقة واستكمال تبعيتها للخارج. هكذا كان موقفنا, متجانسا مع مشروع الدولة المصرية القومي والعروبي, ومتفاعلا مع الحراك الشعبي, وحريصا علي الأمن القومي العربي, ومناهضا لأي تدخل خارجي وبأي صيغة كانت في تقرير مصائر الأمة. وعند كل محطة جديدة, يحدث افتراق بيننا وبين خيرة من ابناء وكتاب الجريدة, وممن كان لهم دور أساسي في انطلاقتها في مراحلها الأولي, اختاروا الرحيل إلي هذه الضفة أو تلك, وتماهوا مع هذا المشروع أو ذاك, من المشروعات التي ألحقت الأذي بالأمة وبأمنها ويقينا نحن أمناء للبوصلة التي حددناها غداة انطلاق الجريدة في عام.1991 عهدا لجميع من واكبوا مسيرة الأهرام المسائي من كتاب وأصدقاء وقراء أن نواصل مسيرتنا بذات المهنية والمصداقية, والعزيمة والارادة التي بدأنا بها, سندنا في ذلك ثقتكم بنا ودعمكم للبوصلة التي اخترناها, آملين أن نشكل إضافة حقيقية في تطور الصحافة المصرية والعربية, وتحقيق أهداف الأمة في الحرية والوحدة والتنمية والكرامة والعدل الاجتماعي. رابط دائم :