ترك التعليم في صباه وهجر بيت الأسرة الدافئ ولم يكن يبلغ من العمر الخامسة عشرة بعد.. بحث عن العمل في أرض الله الواسعة ووجد الرزق يناديه وشقيقه في ليبيا البلد الشقيق, ليلبي حاجات أسرته الكبيرة, بعد أن بلغ والده من السن عتيا, وطرق العرسان أبواب شقيقاته اللاتي يحتجن لجهازهن. لم يرغب في أن يحرم باقي أشقائه من الذكور من تعليم ينير لهم الدنيا من حولهم, ولم يكن يعرف في أثناء تغربه, ان بعض أشقائه من أحفاد عمر المختار سيقضون علي حياته, بعد أن اغرقوه تعذيبا.. بهذه الكلمات بدأ محمد سعيد أحد جيرانه الحديث إلينا اثناء مساعدتنا في الوصول إلي بيت أسرته بقرية البهسمون التابعة لمركز اهناسيا ببني سويف. في البداية تقابلنا مع والد الفقيد عم محمد عبدالموجود وهو متكئ علي عصاه التي شهدت دموعه وآلامه, لدرجة جعلتنا نشعر بمصيبتهم قبل أن يتحدث لنا.. بدأ كلماته بعد أن سبقته دموع مقلتيه قائلا: ولد ابني عادل رجلا وتحمل المسئولية من صغره, وكان أطيب ابنائي, ولم أتخيل للحظة أن يكون ضحية للقمة عيشه وعلي ايدي اشقائه في ليبيا فعادل ترك التعليم بعد حصوله علي الشهادة الاعدادية ليساعدني في تربية اخوته الخمسة( جمعة, حنان, وكريمة, رمضان, وشادية) واتجه إلي الأراضي الليبية للعمل مثل معظم شباب القرية في أعمال المعمار المختلفة. واستمر طوال8 سنوات جاء إلينا خلالها3 مرات, وفي كل مرة يعود بأحلام أسرته بالكامل إلي أن عاد ليلة رأس السنة ملفوفا بكفنه, غريقا في دمائه داخل صندوق خشبي, وبجانبه بعض التقارير والمستندات التي تؤكد وفاته متأثرا بالتعذيب الذي تعرض له علي ايدي أحفاد عمر المختار. صمت الوالد للحظات ليكمل بكاءه, ثم أخرج صورته من جيبه وأخذ يقبلها وكأنها تتنفس وتنبض بالحياة ليكمل حديثه: نزل علي سمعي خبر وفاة ابني البكر كأنه الصاعقة, من أختي التي لديها هاتف محمول بعد أن تلقت أيضا الصدمة من اقرناء ابني المجاورين له في سكنه وعمله, وقبل أن أصرخ تماسكت بفضل من الله خوفا أن تلحق أمه بجثته, فالمرض قرينها الدائم في ليالي الشتاء والوحدة. وأضاف: تحدثت لزوجتي بان ابننا عادل مريض وسأسافر لمقابلته في المطار لعرضه علي أحد الأطباء بالقاهرة, وشعرت بان عينيها وشعورها الأمومي احسا بالفاجعة, وبعد أسبوع من وفاة عادل ارسل إلينا عن طريق مطار القاهرة وتوجهت إلي المطار مع بعض اقاربي لاستقبال الجثمان الذي وصل في ساعة متأخرة وبدأنا في استكمال الإجراءات واستلام تصريح الدفن وتقرير حالته التي نزلت علي كالصاعقة. تابع كلامه: أوضحت التقارير الصادرة من( مكتب ترهونة) ان فلذة كبدي تعرض للتعذيب والضرب المبرح, الذي أفضي به إلي الموت ولا نعرف سببا لذلك حتي اليوم, وتذكر ت وقتها أن ابني كان كثيرا ما يخبرني في اثناء اجازاته واتصالاته ان الفوضي تعم معظم المدن الليبية بسبب انتشار الأسلحة النارية المتطورة مع الصغير قبل الكبير, وكثيرا ما كان يشتكي ولدي من اضطهاد بعض الليبيين للعمالة المصرية, ونفر منهم يتعمدون أكل عرق العمال من دون حماية تذكر من السفارة المصرية. وتساءل الوالد مستعينا بالآية القرآنية بأي ذنب قتلت وواصل: ما هو الذنب أو الفاحشة التي ارتكبها ابني ليتعرض لهذا التعذيب؟ ولماذا لم تقم السلطات الليبية بتقديمه للمحاكمة بالقانون إذا كان أخطأ أو ارتكب جرما في حق الشعب الليبي؟ وأين دور وزارة خارجيتنا وسفارتنا بالجماهيرية الليبية كيف تصمت بهذه الطريقة وهي تشاهد أمامها دم وكرامة مصري وآدميته تهدر دون ذنب, سوي أنه ترك البلد للفاسدين, وبحث عن لقمة العيش بين أحواش ومنازل الليبيين؟! وقاطع صوت الرجل الحزين عويل امرأة مسنة, تمكن الحزن والمرض من قلبها, فنظرت إلي مصدر الصوت لأجد سيدة في العقد الخامس من عمرها وعرفت أنها والدة عادل.. توجهت إليها للشد من أزرها ولكنها كانت تصرخ وتقول: قلبي كان حاسس وكنت عارفة أن عادل مات وأبوه بيضحك علي علشان مرضي, بس أنا قلبي هوه اللي قلي اني مش هشوفه تاني وأنا بطلب العوض من ربنا في حق ضنايا المقتول علي ايدي المجرمين. أما الشقيق الأصغر رمضان فقال: كنت بتمني اليوم اللي هخلص فيه دراستي لأسافر مع شقيقي عادل وجمعة ولكن بعد ما رأيته وحدث لشقيقي عادل خلاص لن أسافر لان أبويا قال كفاية لحد كدة وانفجر في البكاء. وكان مطار القاهرة قد استقبل مساء يوم الجمعة الماضي جثمان الشاب عادل محمد عبدالموجود وصل من ليبيا بعدما لقي مصرعه هناك جراء التعذيب. وقال عم القتيل, الذي جاء من محافظة بني سويف لتسلم جثمانه بمطار القاهرة, انه كان يعمل بليبيا, وتم القاء القبض عليه اثر رفضه القيام بفحص طبي. وأضاف أنه تعرض للتعذيب داخل السجن, ما أدي في النهاية إلي وفاته بعد اصابته بالرأس بمنطقة ترهونة يوم28 ديسمبر الماضي, وذلك طبقا للتقرير الصادر عن مكتب الاصحاح البيئي بطرابلس.