الناس في بر مصر منشغلون بسؤال يصحو وينام دون توقف, من عصر لعصر ومن موقف إلي آخر: ماذا نفعل للحفاظ علي صورة مصر أمام العالم؟ حضر هذا السؤال بشدة عقب مباراة الزمالك واتحاد الشرطة, التي شهدت عنفا بين اللاعبين والأجهزة الفنية, وشارك فيها الجمهور بإتلاف بعض محتويات الملعب وقذف اللاعبين بها.. وفي الاستوديوهات التحليلية للمباريات علي الفضائيات دار جدل شديد هل يجوز نقل هذه الصورة علي المشاهدين في مصر وخارجها, خاصة انها تعطي صورة سلبية عن مصر في الخارج. وفي قناة مودرن سبورت ظهر مخرج المباراة, ونفي مسئوليته, وقال إنه يترك عربة التصوير الخارجي, فور بدء الإعلانات علي القناة الثانية المصرية, مخليا مسئوليته عن الصورة التي شاهدها العالم, وكأنه متهم ينفي تهمة, بينما مهمته الأساسية هي نقل الحقيقة للناس حتي ولو كانت هذه الحقيقة مسيئة, أو مزعجة, أو حتي تنال من صورة مصر في الداخل والخارج. وليس بعيدا عن هذا الحدث اقتراح لنائب في البرلمان بتخصيص مكان للتظاهر والاعتصامات بعيدا عن شارع مجلس الشعب, حتي لا يتعطل المرور وحركة الناس, وللحفاظ علي صورة مصر الخارجية, خاصة أن نائبا آخر قال إن هذه الاحتجاجات يمكن أن تؤثر علي المستثمرين الذين يستثمرون في مصر. والحقيقة أن من يغارون علي صورة مصر في الخارج, لا يجب عليهم الانشغال كثيرا بالصورة علي حساب الأصل, فشغب المباريات, تكرر خلال الأسبوعين الماضيين في ملاعب السعودية والإمارات وتونس, ولا تخلو الملاعب الأوروبية من هتافات عنصرية, وبين الحين والآخر تطل الجماهير الأوروبية المتعصبة إلي حد الهوس, ولم يطالب أي مسئول أو إعلامي أوروبي بمنع نقل هذه المشاهد منعا للصورة السيئة لبريطانيا أو إيطاليا أو غيرها في العالم كله. وحين تحدث هذه الأحداث التي تؤثر علي الصورة العامة للدولة, تلجأ الدول إلي علاج أصل الظاهرة وليس البحث عما يلحق بالصورة, في أوروبا علي سبيل المثال, يجري تسجيل المشجعين المتعصبين في قوائم بحيث يتم حرمانهم من الدخول إلي الملاعب الأوروبية, وحتي التنقل بين الدول الأوروبية المختلفة لمتابعة مباريات الأندية والفرق الوطنية الأوروبية. وبقدر الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية المهنية والفئوية في مصر, يوجد مثلها في كل العالم تقريبا, إلي درجة أن الإضرابات المطالبة بتحسن الأجور والدخول مثل التعليم والطيران وحركة النقل الداخلي تشل قطاعات حيوية في بلدان عدة, وتمتد حتي للمستشفيات, ولم يقل أحد أن مثل هذه الاحتجاجات المهنية والعمالية تؤثر علي صورة الدولة, أو تخيف المستثمرين وتجعلهم يهربون باستثماراتهم. وفي العادة تبدأ الحكومات مفاوضات مع ممثلي النقابات العمالية والمهنية للوصول إلي حلول وسط ترضي جميع الأطراف, دون أن يتحدث أحد لا عن هيبة الدولة ولا عن صورتها الخارجية أمام العالم. وأعتقد جازما أن صورة الدولة في الخارج, مرتبطة إلي حد كبير بقدرتها علي حل مشاكلها الداخلية, والتقدم في المؤشرات والمعايير الدولية الخاصة بحرية الصحافة والتنافسية ومناخ الأعمال وحقوق الإنسان, ومحاربة الفساد, وغيرها من المؤشرات العالمية التي تحدد صورة الدولة في الخارج, لأن العالم لا يتوقف كثيرا عند شغب في مبارة أو اعتصام في الشارع. صحيح أن وسائل الإعلام المختلفة تهتم بمثل هذه الأحداث, لكنها في الغالب الأعم, وما لم ترد تنفيذ أجندة خاصة بها, ومعادية لنا, تهتم بالحدث في حدوده الضيقة والبسيطة جدا.