الفلاحون المصريون علي مدي التاريخ هم القوة الرئيسية في كتائب النضال الوطني ضد كل المعتدين والغزاة..من الهكسوس حتي الصهاينة فلقد ا رتبطت دائما في وجدان الفلاح المصري, قيمة الأرض كمجال للعمل وللإنتاج للرزق له ولأسرته, بقيمة الأرض كوطن لابد أن يكون متحررا من أي دنس استعماري. إن حوالي مائة أسرة من كبار الملاك تمكنت في منتصف القرن الماضي من أن تدفع أبناءها لأن يحتلوا ثلثي مقاعد التمثيل النيابي, وبأكثر من عضو أحيانا, للعائلة الواحدة,. بأن الاندفاع, إلي اقتناء الأرض وربط أكبر عدد من الفلاحين أصحاب الأصوات الانتخابية, بهؤلاء الملاك عن طريق السيطرة علي مصدر أرزاقهم, كان هدفه الاستحواذ علي مقاعد البرلمان, أي الدفاع عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الجائزة, التي يمثلها هؤلاء النواب, وبين أعوام1914 و1950 كانت هناك18 عائلة كبيرة هي التي اختصت بإمداد مجلس الوزراء المصري بأعضائه من الوزراء بينما لم تقدم هذه العائلات ضابطا واحدا إلي صفوف الجيش المصري, غير أن المفارقة في ذلك أنه عندما تم قبل ثلاثة عقود ونصف تأسيس أول حزب وطني مصري, كان بيان التأسيس يضم توقيعات ثلاثمائة وسبعة وعشرين وطنيا مصريا, في مقدمتهم, ثلاثة وتسعون ضابطا, بينما كان البيان يتحدث بحروف قوية عن أن هذا الشعب الكادح لايريد عبودية بعد تحرره اليوم وبين أعوان1929 و1950 تضاعفت أعداد الأسر المعدمة في صفوف الفلاحين, فقد كانت نسبتها في عام(29)24%, بينما وصلت في عام(50) إلي44%, بل أن إيجار الفدان علي مشارف ثورة يوليو كان قد أصبح يساوي ثلاثة أرباع إيراده بعد ريه بالعرق قبل الماء وإذا كان( محمد علي) هو الذي قضي علي الإقطاع المملوكي, وإذا كانت القوانين التي أصدرها( سعيد) اعترافا بحق ملكية الأرض للفلاحين, هي التي أنشأت طبقة الملاك الصغار والعمد والأعيان الوطنيين, فقد أعاد الاحتلال البريطاني توزيع الأرض علي القري المضادة للثورة والموالية للاحتلال,من مصريين وأجانب ومن جبهة الاختراق التي أعانت علي هزيمة الثورة العرابية, ولهذا عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها, كانت قاطرة مصر, تمضي فوق قضبانها الجديدة متوجهة صوب محطة حتمية هي الثورة, فقد شمل الانسحاق الاجتماعي طلائع الطبقة المتوسطة, جنبا الي جنب مع العمال والفلاحين, فقد أصبح ثلاثة أرباع المصريين, مصابين بالبلهارسيا(12 مليونا) ونصفهم مصاب بالانكلستوما(8 ملايين) وتسعون بالمائة منهم مصابون بالرمد الحبيبي(14 مليونا), بينما كان أربعة ملايين مصري يعيش الواحد منهم بإيراد يقل عن جنيه في الشهر, أي بنحو ثلاثة قروش في اليوم الواحد, في الوقت الذي ارتفعت فيه أعداد أصحاب الملايين من خمسة وأربعين مليونيرا الي أربعمائة مليونير. وعندما جاء( تشرشل) رئيس الوزراء البريطاني إلي القاهرة, طلب من الملك( فاروق) أن يتخذ موقفا حاسما لتحسين الأوضاع الاجتماعية في مصر, لأنه ليس ثمة مكان في العالم يجمع التناقض بين الثروات الهائلة, والفقر الحاد علي هذا النحو الظاهر في هذا البلد بل أن تشرشل وهو زعيم حزب المحافظين تساءل أكثر من مرة محرضا الملك علي أن يأخذ من ثروات البشوات الأثرياء لتحسين مستوي معيشة الشعب ومع طوال تكراره قال فاروق مستسلما أن ذلك ماكنت أفكر فيه بالفعل ولم يكن فاروق مشغولا بالتفكير في ذلك, لكن هبات الفلاحين لم تتوقف علي امتداد السنوات التالية, وصولا إلي ثورة يوليو وما بعدها. كانت أعداد كبار ملاك الأراضي, تشكل قاعدة ثابتة, حيث بلغت5 آلاف مالك,يشكلون نسبة3% من إجمالي عدد السكان بينما يستحوذون علي نسبة27% من إجمالي أراضي مصر, ولم يقدر لأعدادهم أن تتناقص بعد الثورة, وقوانين الإصلاح الزراعي المتتالية, ولكن نسبة ماظلوا يستحوذون عليه, من الأراضي الزراعية, انخفضت الي13%, أي أنهم فقدوا النصف, ولكن يبدو أن فقدان نصف القاعدة المادية, للنفوذ والسطوة, يظل أقل تأثيرا, طالما ظلت القاعدة المعنوية والفكرية قائمة لهم في صلب المجتمع, وهي ذاتها التي يمكن استخدامها بعد ذلك, كقاعدة وثوب لاستعادة ماتم فقدانه من القاعدة المادية. لقد نجح الإصلاح الزراعي دون شك في توجيه ضربة قوية الي الأقلية المحتكرة للأراضي الزراعية, التي تشكلت من عناصر الارستقراطية الزراعية, وكبار الملاك,ونجح أيضا في توسيع قاعدة الملكية الصغيرة, ورد الاعتبار إلي فقراء الفلاحين, حيث تم بين أعوام(1953 1970) إعادة توزيع مايساوي12,5% من اجمالي الأراضي1,7 مليون فرد, ويشكلون9% من سكان الريف, وفقا لتعداد(1970) وقد أعطيت أولويات التمليك علي سلالم الاستحقاق الاجتماعي, فالاولوية للمستأجرين السابقين,ثم العمال الزراعيين الدائمين, ثم الفلاحين الذين يعولون أسرا كبيرة العدد وأخيرا الأفقر من سكان القرية في زمام الأرض. ومن المؤكد أن حزمة من العلاقات الزراعية قد غدت أكثر ملائمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية, ولكن من المؤكد رغم ذلك أن الريف المصري, ظل مشحونا بتناقضات اجتماعية حادة, وبنوبات ثأر مشتعلة, وبأطماع متجددة, لم تتوقف عن استخدام قواعدها السياسية والفكرية في المجتمع لكي تعاود الوثوب إلي قواعدها المادية التي تم تحريرها. د.عادل عامر