منذ أيام قليلة أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن تزايد معدل الفقر في مصر علي مستوي الجمهورية ليصل الي25% من السكان. ويقصد بالفقر هنا, فقر الدخل وهو عدم القدرة علي الحصول علي دخل يغطي الحاجات الأساسية من مأكل وملبس ومسكن وتعليم وعلاج وانتقال ويقاس الفقر في الدخل بمعيار يسمي خط الفقر. وقد حدد البنك الدولي خط الفقر بمقدار2 دولار في اليوم أو12 جنيها يوميا بمعدل360 جنيها شهريا بالنسبة لمصر, ووفقا لما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن تعداد الفقراء في مصر يصل إلي أن20 مليونا يعيشون تحت خط الفقر وهم غير القادرين علي تغطية احتياجاتهم الضرورية من مأكل وملبس ومسكن وتعليم وعلاج وانتقال وفي دراسة لخريطة الفقر في مصر تبين أن معظم الفقراء يتركزون في محافظات الجيزة والفيوم وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر ويقدر عدد الأحياء الفقيرة في القاهرة وحدها بنحو50% من سكان العاصمة, وهذه الأحياء هي حلوان والمطرية والبساتين, وحدائق القبة والزيتون, وعين شمس, والزاوية الحمراء, ودار السلام, ومنشية ناصر, والدويقة أما النوع الثاني من الفقر فهو فقر التعليم والمعرفة, ويقاس هذا النوع من الفقر بنسبة الأمية وتصل نسبة الأمية في مصر إلي نحو30% من السكان أي أن حوالي24 مليون مصري لايعرفون القراءة ولا الكتابة. ومن ذلك يتبين أن فقر الدخل والبالغ نحو25% وفقر التعليم والمعرفة والذي يصل الي حوالي30% من السكان يشكلان معا فقر الأمة, ومن المعروف أن ألد أعداء الحرية السياسية أو الديمقراطية هما الفقر والجهل حيث يعمل الفقر والجهل علي عرقلة مسيرة الديمقراطية وإعاقة عملية التحول الديمقراطي. إن فقر الأمة يصعب معه أن تفرز الممارسة الديمقراطية نخبة لديها تصور أو رؤية استراتيجية لاستنهاض المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وقيادة مرحلة التحول الديمقراطي, لأن هذه المرحلة هي الفترة التي يتخلق فيها المناخ الملائم لعملية التحول الديمقراطي والانتقال من النظام السياسي السلطوي الي النظام السياسي الديمقراطي وتشهد هذه المرحلة ترسيخا لقيم الديمقراطية وإرساء دعائم الدولة الديمقراطية. وهذه الدعائم هي قوة المجتمع المدني مثل الأحزاب والنقابات والجامعات وغيرها, وتوازن العلاقة بين هذا المجتمع والمؤسسة العسكرية ثم النظام الحزبي وقدرته علي خلق معارضة قوية تقوم بالتمثيل السياسي للقوي الاجتماعية والسياسية المختلفة وتلعب دور البديل السياسي للسلطة الحاكمة وتحافظ علي توازن الحياة السياسية وحفظها من الاضطراب وعدم الاستقرار. وتظهر في هذه المرحلة أهمية التعليم وخطورة الأمية حيث يدفع التعليم الأفراد نحو الإيمان بثقافة الاختلاف واحترام الآخر والانفتاح الثقافي واتباع المنهج العلمي في تشخيص الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي. كما يعتمد نجاح عملية التحول الديمقراطي علي تعميق استقلال القضاء واتساع الطبقة المتوسطة التي تعبر عن الاتجاه الوسطي المعتدل والتيار الرئيسي للمجتمع وهي الطبقة التي تشكل مستودع القيم الوطنية والأخلاقية والتقاليد الإيجابية ومصدر توليد النخب السياسية والثقافية والإدارية والتكنوقراطية المتخصصة التي تقود التطور وتدير شئون الدولة والمجتمع, وحتي يكتمل البناء الديمقراطي وتقوي دعائمه لابد من توافر الضمانات القانونية والواقعية للحرية السياسية وأولي هذه الضمانات هي الشرعية التي يكتسبها النظام الحاكم من كونه معبرا عن الضمير العام للشعب. أما الضمانة الثانية فهي الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وتأتي بعد ذلك الضمانة الثالثة وهي الرقابة وتشمل رقابة دستورية القوانين ورقابة السلطة القضائية علي السلطة التنفيذية. وتتضمن الرقابة الواقعية للحرية السياسية العدل الاجتماعي والرأي العام وهو وجهة نظر الأغلبية تجاه القضايا العامة. والمراقب لعملية التحول الديمقراطي التي تمر بها مصر الآن يجد شيوع الإضرابات العمالية والتظاهرات والاحتجاجات الفئوية التي تعاني من الفقر في الدخل كذلك عدم وجود معارضة قوية قادرة علي تحقيق التوازن السياسي بالإضافة إلي حالة الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي في القرارات الصادرة عن مؤسسة الرئاسة والاعتراض الشعبي عليها. كذلك يؤكد أن النخبة التي أفرزتها الممارسة الديمقراطية في صناديق الاقتراع في ظل فقر الأمة تفتقر الي القدرة علي حفظ المجتمع من الاضطرابات وتحقيق الاستقرار السياسي حيث تدخل هذه النخبة في صراعات مع السلطة القضائية والقوي السياسية الأخري بهدف السيطرة السياسية والهيمنة علي صياغة دستور يحقق مصالحها وإقامة نظام حكم ديكتاتوري يبتعد بعملية التحول الديمقراطي عن إقامة الدولة المدنية الديمقراطية البرلمانية التي يحكمها دستور معزز للحريات مقيد للسلطات. ان فقر الأمة وفقر النخبة هما المسئولان عن حالة عدم الاستقرار التي تمر بها مصر الآن. وللخروج من هذه الحالة لابد أن تتوحد قوي المعارضة في كيان سياسي واحد يعمل علي تحقيق التوازن في الحياة السياسية ويضمن أن يصاغ الدستور في ظل توافق سياسي كامل وإجراء انتخابات تشريعية نزيهة, ونجاح عملية التحول الديمقراطي.