إنها الأسطورة الواقعية.. معشوقة جماهير الأوبرا في العالم.. ذات الصوت الساحر الذي خلب عقول رواد الأوبرا في القرن العشرين.. إنها الفنانة المبدعة السوبرانو الشهيرة اليونانية الأصل ماريا كالاس والمولودة في مثل هذا اليوم من عام1923. ورغم أنها فارقت هذه الحياة منذ خمسة وثلاثين عاما إلا أنها مازالت تتربع علي عرش الغناء الأوبرالي, فقد استطاعت أن تمتع الجماهير وتطرب أسماعهم بجمال ورقة إحساسها, وحظيت علي إعجاب كل من يسمع شدوها العذب من الرجال والنساء. وقد ظهرت موهبتها وهي في الرابعة من عمرها حيث أبدت إعجابها بآلة البيانو وبالموسيقي وبالفعل بدأت تعلم البيانو وهي في السابعة ثم بدأت مرحلة الغناء وهي في العاشرة وكانت منذ تلك البدايات تشعر بتجاوب الجماهير وحبهم لها حينما تغني فتؤثر المشاعر وتسحر العقول. فحينما تظهر كالاس علي المسرح يطغي حضورها علي جميع المشاركين وسط هالة وحفاوة بالغة من الجمهور الذي تسطو عليه وتستأثره طوال العرض ليصبح الجمهور في حالة عشق وشغف أن يستمتع بفنها مرات ومرات أخري. واشتهرت كالاس بأدائها لأدوار البطولة في كثير من الأوبرات أهمها توسكا ومدام بترفلاي لبوتشيني وعايدة وماكبث, ولاترافياتا والحفل التنكري لفيردي, ورائعة المؤلف الفرنسي جورج بيزيه كارمن, وروائع فاجنر الألمانية تريستان وإيزولده, ودي فالكورة وبارسيفال وغيرها, أما دور نورما لبليني فقد أبدعت فيه وحققت نجاحا منقطع النظير خاصة أغنية كاسيا ديفيا وتعني( القديسة) باللغة اليونانية وهو الاسم الذي أطلقه عليها محبوها ولصق بها إلي نهاية المطاف. حيث كان أداؤها في مواجهة الجمهور يتميز بالبساطة والتلقائية والتمكن مع سهولة الانتقال بين النغمات, أيضا ماتتمتع به من تعبيرية مفرطة وإحساس شديد بكل كلمة تعبر عنها بكل جوارحها, أيضا قدرتها علي تجسيد أدوارها الدرامية بتقنية عالية وحضور عميق مع الخبرة في تحديد أماكن الانفعالات والعواطف في جميع الأدوار بالإضافة لمقدرتها الفائقة علي تقمص الشخصيات الدرامية والتوحد معها كما استطاعت أن تضيف لكل شخصية بعدا جديدا ومتميزا عجزت عن تقديمه أي مغنيةأخري مما ساهم في زيادة رصيدها عند الجمهور وجعلها فنانة القرن. وبالإضافة إلي موهبتها وعبقريتها الغنائية فقد كانت تتمتع بكاريزما جعلت منها شخصية فنية ساحرة بصوتها الذي يهرع إليه المحبون من كل مكان في العالم, فهي تتمتع بجمال من نوع خاص جمال الصوت ذي المساحة الصوتية والقدرة التعبيرية والاحترافية الفائقة في توظيف صوتها الذي حباها الله إياها بإعجازه بمساحة صوتية تزيد علي ثلاثة أوكتافات استطاعت هي بعبقريتها استغلال هذه المنحة وتوظيفها بالشكل الذي يجعل من صوتها أفضل صوت أوبرالي في التاريخ تقريبا. وهي تعتبر مغنية الأوبرا الوحيدة التي قامت بما يتعدي الخمسين دورا مختلفا في شخصيات الأوبرا ومن المعروف أنه في مجال تنوع الأدوار لم تتعد أي مغنية التنويع بين عشرين دورا علي الأكثر وهذا مايؤكد أنها كانت حالة غنائية فريدة في عالم الغناء الأوبرالي. ورغم أن ماريا كالاس لم تكن بارعة الجمال لكنها كانت مثل سلفها القديم الشاعرة والمغنية اليونانية سافو التي خلبت بصوتها وشعرها كل رجال اليونان في القرن السادس قبل الميلاد وتمني الكثيرون الاقتران بها وذلك لما أضفته موهبتها العظيمة عليها من جمال خاص جعل الجميع يقع في عشقها في الحياة وبعد الممات. فبعد هذه السنوات الطوال إلا أن نجم ماريا كالاس مازال يتلألأ في سماء الفن ومازالت تحتفظ بمكانتها كأهم وأشهر مغنية أوبرا في التاريخ.