لقد جاء تكريم المرأة بمجيء الإسلام وأعطاها من الحقوق والواجبات ما للرجل, ويؤكد رسولنا الكريم في حديثه الشريف: إنما النساء شقائق الرجال, لهن حق العمل علي اختلاف أنواعه, حق الملكية علي اختلاف درجاتها. حق التعليم بجميع مستوياته, حق الإدارة والقيادة والمناصب العليا, وفقا للكفاءة والنزاهة والإنجاز, لها حق التطلعات والطموحات المجتمعية, وشغل المواقع في المؤسسات التنفيذية والتشريعية والرقابية والقضائية, إضافة إلي الاشتغال بالمشروعات التنموية والإنتاجية. وتكشف الوثائق التاريخية عن كفاح وصمود المرأة المصرية علي المستوي السياسي, من خلال احتجاجها علي دستور1923, الذي منح حق الانتخاب والترشيح في مجلس الأمة للذكور فقط, وطالبت بتكافؤ الفرص بين الجنسين وبعد دستور1956, أصبحت عضوا في السلطة التشريعية التي تضع القوانين للبلاد, وأطلق علي مصر في ذلك الوقت أول دولة عربية تعطي للمرأة هذا الحق, واحتلت المرأة المصرية موقع الريادة آنذاك, واليوم بعد مرور أكثر من نصف قرن من الزمان نجدنا نحن نساء مصر حفيدات الرموز النسائية المناضلة أمثال هدي شعراوي وسيزانبراوي مهمشات علي المستوي السياسي, نتيجة الثقافة الذكورية الظالمة التي تحرم المرأة من حقها في التمثيل البرلماني بنسبة تتناسب مع بلد بحجم مصر. وبنظرة تحليلية ثاقبة إلي حقوق المرأة المصرية في الدستور الجديد يتضح مايلي: أولا أن المواد المتعلقة بحقوق المرأة هي:(2),(6),(7),(8),(9),(30),(31),(55),(68),(71) من مشروع دستور2012, وتتعلق بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع, وأن النظام الديمقراطي يقوم علي مبادئ المواطنة, التي تسوي بين كل المواطنين في الحقوق والواجبات, والتعددية السياسية, وأن المجتمع المصري يقوم علي العدل والمساواة والحرية والتراحم والتكافل الإجتماعي, وتضمن الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز, والأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والاخلاق والوطنية, والمواطنون لدي القانون سواء لاتمييز بينهم بسبب الجنس أو الاصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الرأي أو الوضع الاجتماعي, أو الاعاقة, وأن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لاتمس, وترسيخ مساواة المرأة بالرجل في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية, وتوفر الدولة خدمات الأمومة والطفولة وحق الرعاية للمرأة, وحق الإرث, وحظر الرق والعمل القسري وحظر انتهاك حقوق النساء, ومعظم المواد هي نفسها المواد (1),(2),(8),(9),(10),(11),(40),(41) من دستور عام1971, باستثناء المادة(71) المستحدثة والجزء الثالث من المادة(68), أي هناك اهتمام بالحقوق الاجتماعية للمرأة. ثانيا إن الدستور الجديد أعطي اهتماما غير مسبوق للمرأة المعيلة التي تمثل25% في مصر, حيث تعتبر الأسر التي تعولها امرأة أكثر فقرا من الأسر التي يعولها رجل, وكذلك المرأة المطلقة, والمرأة الأرملة, وغيرها من النساء الأكثر احتياجا من خلال نص الجزء الثالث من المادة(68), اضافة إلي النص في الدستور علي رعاية الدولة لفئات المعوقين في مادة المساواة بين المواطنين. ثالثا أن المادة(6) تناولت مبدأ المواطنة رغم أنني أري كمواطنة مصرية قبل أن أكون أستاذة جامعة أن يوضع مبدأ المواطنة في صدارة دستور مصر, من خلال مادته الأولي من منطلق أن المواطنة تساوي بين كل المواطنين في الحقوق والوجبات. رابعا أن المادة المستحدثة(71) تنص علي: يحظر الرق والعمل القسري, وانتهاك حقوق النساء والأطفال, وتجارة الجنس, ويجرم القانون ذلك والسؤال الذي يطرح نفسه: طالما أن هناك قانونا يجرم ذلك لماذا توضع في الدستور؟ وإذا كان الهدف من تحصين القانون دستوريا فلابد أن ينص في نفس المادة علي حظر الاتجار بالبشر, وحظر العنف ضد المرأة, رغم أن كل ماسبق تجرمه القوانين. خامسا أن الدستور نص في الجزء الثاني من المادة(68) علي: تكفل الدولة للمرأة الرعاية الصحية والاجتماعية وحق الإرث والسؤال: هل حق الإرث بحاجة إلي قانون؟ هل الدولة هي التي تكفل للمرأة حق الإرث أم الشريعة والدين؟ ولذلك اقترح أن تضاف عبارة وفقا للشريعة الاسلامية إذا كان بالضرورة وضعها في الدستور. سادسا هناك اتجاه من قبل القوي السياسية الممثلة في الجمعية التأسيسية للدستور علي إلغاء المادة(68) التي تتعلق بالتزام الدولة باتخاذ جميع التدابير اللازمة لترسيخ مساواة المرأة بالرجل في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون اخلال بأحكام الشريعة الإسلامية, لأن هذه المادة من وجهة نظر معارضيها يمكن من خلالها تشريع قوانين ضد المرأة تستند علي تفسير مصطلح أحكام, رغم أن هذه المادة هي نفسها المادة(11) من دستور(71). سابعا تم حذف المادة(62) من دستور(71) والتي أجازت للمشرع أن يتضمن قانون الانتخابات حدا أدني لمقاعد المرأة في المجلسين من منطلق أن هذه المادة من وجهة نظر من قاموا بالغائها ترسخ فكرة الكوتة الدستورية التي تطبق في كثير من دول العالم العربي والاسلامي والغربي لفترة محددة. في تقديري أن حذف المادة(68) من الدستور ترضية لبعض الأصوات التي تطالب بالغائها تخوفا من تفسير الأحكام يعتبر انتقاصا لحق من حقوق المرأة المصرية, لأنها المادة الوحيدة التي تنص صراحة علي حقوق المرأة في الدستور, لذلك اقترح البدائل التالية: 1 الإبقاء علي المادة كما هي شريطة أن ينص في مادة أخري علي أحكام الشريعة الإسلامية تشمل مايخص الميراث والأحوال الشخصية( مثلا), اسوة بالمادة الثانية التي تنص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع, وجاء في المادة(22): مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل ادلتها الكلية وقواعدها الاصولية والفقهية وفي هذه الحالة نحفظ للمرأة حقوقها ونبقي علي أحكام الشريعة الإسلامية 2 الإبقاء علي المادة كما هي, مع استبدال بما لايخالف أحكام الشريعة الإسلامية بعبارة استنادا إلي مبادئ الشريعة الإسلامية وليس هناك مشكلة أن تتكرر مع المادة الثانية فهي تأكيد أن القوانين الخاصة بالمرأة مرجعيتها الشريعة الإسلامية إضافة إلي أن الأزهر وهيئة كبار علمائه ستؤخذ آراؤهم في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية وهذا ماورد في المادة الرابعة من الدستور والخاصة بالأزهر الشريف. 3 إضافة نص في المادة(4) الخاصة بحقوق الانتخابات والترشيح, يسمح للمشرع بضمان حد أدني لمقاعد للمرأة في مجلسي النواب والشيوخ أسوة بكثير من دول العالم العربي. 4 الأخذ بنظام انتخابي يجمع بين النظامين الفردي والقائمة النسبية شريطة أن توضع المرأة في ترتيب متقدم من القائمة كأن تكون رقم(3) مثلا حتي نضمن نجاحها في الانتخابات. 5 قانون يلزم الأحزاب السياسية بما يسمي بالكوتة الحزبية للمرأة بنسبة لاتقل عن30% في المجالس التشريعية وهي مطبقة في الدول التي لاتوجد بها كوتة دستورية. إنني علي ثقة أن البدائل المطروحة سوف تؤخذ في الاعتبار أثناء مناقشة مشروع الدستور من قبل الفقهاء وأساتذة القانون الدستوري في مصر العظيمة, وائنا في أزهرنا الشريفة وفقهائنا المستنيرين الذين يعيشون عصرهم, ويعلموننا أن الدين يسر لاعسر كما أراده خالق هذا الكون, حفاظا علي مستقبل بناتنا من الأجيال القادمة, وتقديرا لدور المرأة المصرية, المكافحة المشاركة في التنمية, في كل مؤسسات الدولة, المعيلة لأسر, المسئولة عن رعاية أسرتها, بدنيا وعقليا, ووجدانيا, وغذائيا, وسلوكيا, العاملة في الحقول والمزارع والمصانع, بجوار الرجل شريطة له في مشوار حياته, وانجازاته, وانكساراته, وجلده, وتناسبا مع مسيرتها وتاريخها المشرف في مجالات العمل الوطني, هذا إلي جانب مشاركتها في المجالات والأنشطة علي المستويات المحلية والاقليمية والعالمية.