في الاطار التكاملي بين العبادات والمعاملات ومزجهما في بوتقة واحدة فان ذلك سيؤدي إلي إنجازات في كل مجالات العلم والمعرفة, بل وطفرة انتاجية في جميع مجالات الحياة ولكن لن يحدث كل هذا إلا إذا تم تأهيل الناس في كل مجالات الحياة, في وجود قيم وأخلاق ومبادئ الإسلام وغيره من الأديان, بل وقيم وأخلاق الجاهلية, وقيم وأخلاق الإنسانية, التي تتعامل مع البشر كإنسان له عاطفة في قلبه وله عقل يفكر به, في وجود احترام وتقدير الذات. وتأهيل الإنسان هو الركيزة الأولي لوضع اللبنة التي يعلو بها البنيان, ومن غيرها لا قيمة لهذا البنيان حتي ولو كان مرتفعا إلي عنان السماء, المهم البحث عن آلية جديدة نتمكن من خلالها من تأهيل عقول أبنائنا ووضعها علي الطريق الصحيح الذي يؤدي بنا إلي صناعة العلم والمعرفة وإنتاج العلماء, لأنهم هم الذين سوف يساهمون في تطوير هذه البلاد, وإيجاد منتج حضاري يكتسب ثقة الناس علي المستوي المحلي, ويكون نموذجا يقتدي به علي المستوي الأقليمي, ثم يتحول إلي علامة تجارية دولية. ولن يحدث هذا وذاك إلا من خلال وجود نظام إقتصادي متماسك, في سلسلة متصلة الحلقات, يتحلق حولها المتخصصون والخبراء في كل مجال, من أجل إفراز الأفكار وترتيبها, وإعادة إنتاجها بشكل تتحول من خلاله إلي منتج حي علي أرض الواقع في فترة زمنية قصيرة تقل عن شهر ولا تزيد علي ستة أشهر, بها نستطيع أن نستغل أفكارنا ونحولها إلي سلعة رائجة محليا وإقليميا ودوليا, تحل مشاكل الناس, وتقوي من دعائم الإقتصاد: لانه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم المزج بين العبادات والمعاملات والعلم والمعرفة بشكل صادق وأمين, ويمكن أن المنتج هو الضياع, وهذا هو الذي نراه امام أعيننا مع تحولنا إلي شعوب فقيرة ومستهلكة, لا يمكنأن تتمكن من حل مشاكلها في أدني متطلبات حياتها اليومية. فكيف يمكن لإنسان عاقل عنده قليل من العقل وقليل من الفهم, عوضا عن النبهان, أن يتصور ان كل هذه الإدارات والهيئات والمؤسسات والوزارات, قد تحولت بفعل فاعل إلي مؤسسات مستهلكة, فأصبحت عبئا ثقيلا علي الاقتصاد, وهم بالليل وذل بالنهار علي المسئولين الذين يحاولون حل مشاكل الناس, في وجود وعي حقيقي بأهمية وجود الإنسان الذي يدعي أنه مؤمن صحيح الإيمان مع أنه يمثل خيال مآته في كل مجال. ومن هنا نجد أنه لا حل لمشاكلنا المزمنة إلا من خلال إعادة تأهيل شباب هذه الأمة في جميع التخصصات, مع تحول حقيقي في أفكارنا مع وجوب تحول المؤسسات الخدمية الاستهلاكية, إلي مؤسسات منتجة, تفيض بالإنتاج في كل مجال, من خلال نشر وانتشار البؤر العلمية في كل التخصصات. لان تحول الإدارات والهيئات والمؤسسات والوزارات إلي مؤسسات منتجة بدلا من أن تكون مستهلكة هو حجر الزاوية في دعم الاقتصاد, وتطوير إمكاناتنا الذاتية, بحيث تتمكن من خلق وإيجاد مؤسسات منتجة, فيها كل مؤسسة تتمكن من استغلال طاقات أبنائها في هذا المضمار, بحيث تغطي تكاليفها وتكفي مرتبات موظفيها في الحد الأدني, وتساعد في تخفيف العبء عن الدولة, في وجود نظام اقتصادي متماسك لكل مؤسسة يحفز علي الإنتاج, ويقلل من منحني الإنفاق. فهذا هو بداية الطريق الصحيح, من أجل حل مشاكلنا التراكمية علي مدي ستين عاما, وغيره سنغرق في كل التفاصيل التي لن تحل أي مشاكل حتي ولو كانت في مستوي جمع الزبالة من الشوارع والحارات, أو حتي حل مشاكلنا في الحد الأدني من متطلبات الحياة. وهذا هو المعيار الحقيقي والمقياس, لكل مدع يدعي انه يؤدي ما عليه من حقوق, ويطالب بالمزيد من الواجبات, لانه لا حل حقيقي لمشاكلنا إلا من خلال العلم والمعرفة, في وجود الإنسان المؤمن الحقيقي, الذي يسعي إلي تقدم بلده من خلال الاهتمام الجاد والحقيقي والمثمر بالعمل والإنتاج, وليس بالأقوال التي شبعنا منها, والتي تنتهي بمجرد الانتهاء من الكلام. مفكر إسلامي وأستاذ بطب الأزهر