ان وضع الإنسان المسلم في إطار تكاملي من العبادات والمعاملات, تتكامل فيه العبادات مع المعاملات والعكس صحيح, يؤدي بنا إلي مجتمع راق ومتحضر يسود فيه العلم والمعرفة علي من سواه, وينعكس إيجابا علي كل أقضية حياتنا اليومية. يخطيء من يعتقد أن العبادات ممكن أن تؤدي بشكل كامل بعيدا عن ثقافة الإنسان وفي غياب العلم والمعرفة بطبيعة وشكل هذه العبادات, لأنه لولا العلم والمعرفة ما تمكن الإنسان من ستر عورته وما وجد جلبابا, وما تمكن من الصلاة في المسجد أو الذهاب إلي الحج من خلال كل هذه الأنواع المختلفة من المواصلات والتي ترك فيها العلم بصماته في كل حياتنا اليومية علي مدار الساعة واليوم والأسبوع والشهر والسنوات وفي كل لحظة من لحظات الحياة التي نعيشها في حساب الزمان وفي وجود المكان. ويخطي من يعتقد أن معاملتنا اليومية يمكن أن تمر في مسار غير المسار الذي يمر فيه العلم والمعرفة, فكل حياتنا اليومية تدار من خلال قوانين العلم والمعرفة, والذي يعتبر المفتاح, الذي يفتح به أبواب التقدم والتقنية, وإقامة الحضارات, وهذا كله يعتمد بدوره علي قدرتنا الذاتية في فرز حقيقي وفعال لأفكار أبنائنا, وتحويلها إلي منتج حضاري يدر الخير الوفير علي بلادنا في كل زمان ومكان. فالعلم والمعرفة يحول كل حياتنا اليومية إلي حياة كلها نظام, والذي نتمكن من خلاله من حل مشاكلنا اليومية من خلال انتقال وتلاقي الأفكار بين الفرد والجماعة, في سلسلة متصلة الحلقات, والتي من شأنها أن تطور حياتنا بشكل سريع ومبرمج, نحصل فيه في نهاية المطاف علي السعادة والهناء وراحة البال. ولذلك نجد أن الصدق والإخلاص في العبادات يؤدي حتما إلي الصدق والأمانة في المعاملات, وعليه يتمكن الإنسان الصادق الأمين من التفكير في حل مشاكل الناس, والتي قد تبدأ بفكرة صغيرة تتم الإستفادة منها, أو فكرة قديمة يتم تطويرها, أو يصل به إلي حد الإبداع والابتكار والاختراع. ومن خلال هذا السياق يتم مزج العبادات والمعاملات معا في بوتقة واحدة, تؤدي بنا إذا توافر عنصري الإخلاص والنية الصافية في وجود الصدق والأمانة وحب الوطن إلي إنجازات في كل مجالات العلم والمعرفة, بل وطفرة انتاجية في كل مجالات الحياة, تغطي كل إحتياجات الناس في فترة زمنية قصيرة لاتعد علي أصابع اليد الواحدة بعدها الكفاية ثم الرفاهية. ولن يحدث كل هذا إلا إذا تم تأهيل الناس في كل مجالات الحياة, في وجود قيم وأخلاق ومباديء الاسلام وغيره من الأديان, بل وقيم وأخلاق الجاهلية, وقيم وأخلاق الإنسانية, التي تتعامل مع البشر كإنسان له عاطفة في قلبه وله عقل يفكر به, في وجود احترام وتقدير الذات. وتأهيل الإنسان هو الركيزة الأولي لوضع اللبنة التي يعلو بها البنيان, ومن غيرها لا قيمة لذا البنيان حتي ولو كان مرتفعا إلي عنان السماء, المهم البحث عن ألية جديدة نتمكن من خلالها من تأهيل عقول أبنائنا ووضعها علي الطريق الصحيح الذي يؤدي بنا إلي صناعة العلم والمعرفة وإنتاج العلماء, لأنهم هم الذين سوف يساهمون في تطوير هذه البلاد. ولن يحدث هذا وذاك إلا من خلال وجود نظام اقتصادي متماسك, في سلسلة متصلة الحلقات, يتحلق حولها المتخصصون والخبراء في كل مجال, من أجل إفراز الأفكار وترتيبها, وإعادة إنتاجها بشكل تتحول من خلاله إلي منتج حي علي أرض الواقع في فترة زمنية قصيرة تقل عن شهر ولا تزيد علي ستة أشهر, بها نستطيع أن نستغل أفكارنا ونحولها إلي سلعة رائجة محليا وإقليميا ودوليا, تحل مشاكل الناس, وتقوي من دعائم الاقتصاد. لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم المزج بين العبادات والمعاملات والعلم والمعرفة بشكل صادق وأمين, ويكون المنتج هو الضياع, وهذا هو الذي نراه أمام أعيننا مع تحولنا إلي شعوب فقيرة ومستهلكة, لا يمكن أن تتمكن من حال مشاكلها في أدني متطلبات حياتها اليومية. مفكر إسلامي واستاذ بطب الأزهر