نفث شعبان دخان سيجارته, وشرد متابعا خيط الدخان الهارب من زنزانته بقسم الشرطة وبدأ يتذكر أيامه الأولي والتي فتح فيها عينيه ليجد نفسه هائما علي وجهه في شوارع مدينة بلا قلب, كان عمره حينها أقل من5 سنوات تذكر جيدا منظره حينما كان رث الثياب مكفهر الوجه أشعث أغبر تقشعر أبدان المارة حين تقع عليه أعينهم و يتقزز كثيرون بمجرد رؤية منظره. تذكر شعبان طفولته البائسة التي قضاها في الشارع بين زملائه من المتسولين وأطفال الشوارع وظل شاردا لساعات, وتوقف برهة عند مشهد من أثقل لحظات حياته والذي تنتابه فيه حالة تبلد للمشاعر الإنسانية وهو مشهد وقع في ليلة حالكة السواد والتي أمسك به فيها ابو ذراع وقام بالإعتداء الجنسي عليه رغم أنه قاوم كثيرا إلي أن خارت قواه في أيدي مساعدي زعيم عصابة أطفال الشوارع بمحطة مصر حينئذ. عاش شعبان ضمن آلاف الأطفال في مصر الذين يقدر عددهم بخمسة آلاف طفل بالقاهرة فقط بحسب مصدر أمني بوزارة الداخلية منتشرين في الميادين الكبري وبمحطات السكك الحديدية. كبر شعبان وترعرع إلي أن بلغ23 سنة وأصبح الأكبر بين أقرانه و بدأ في السير علي درب عتاة المجرمين من زعماء عصابات أطفال الشوارع وكون عصابة عتيدة الإجرام. انتبه شعبان فجأة إلي صوت العسكري خارج الحجز يقول يلا عندكم عرض علي النيابة النهاردة. وأمام رئيس النيابة بدأ شعبان سرد إعترافاته قائلا: لم أجد لي أهلا ولا مأوي ووجدت نفسي وسط هذا العالم إلي أن تمكنت المباحث من ضبطي بعد سقوط زميلي أيمن وكريم اللذين كانا معاونين لي ورغم أنهما اعترفا بما فعلناه من اقتسام متحصلات الشحاذة والتسول من عدد من الأطفال مقابل إيوائهم بتوفير أماكن النوم والمبيت وكذلك الكولة التي يتعاطونها لهم إلا أنني لم أقتل أو أسرق أحدا من الأطفال وكنت أساعدهم علي العيش وحمايتهم ممن يحاولون الفتك بهم من البلطجية والمسجلين. كتبت نهاية العصابة وتساقط أعضائها معلومات وردت إلي اللواء مدحت جمال الدين مدير الإدارة العامة لمباحث الأحداث تفيد بقيام عصابة بإستغلال الأطفال حديثي السن في أعمال التسول وإستجداء المارة في شوارع العاصمة بعد تهديدهم بالأسلحة و الإعتداء عليهم جنسيا لكسر إرادتهم وإخضاعهم لأوامرهم. وبإخطار اللواء سامي سيدهم مساعد وزير الداخلية للأمن الإجتماعي أمر بتشكيل فريق بحث تمكن من ضبط أيمن الشهير بسمارة20 سنة وكريم الشهير بالشحات21 سنة وبحوزتهم أسلحة بيضاء و زجاجة مليئة بمادة ال كولة وبصحبتهم الطفل جميل11 سنة. وبمواجهة المتهمين سمارة والشحات إعترفوا بتكوين عصابة تزعمها شعبان الذي سقط فيما بعد في قبضة المباحث وشخص رابع يدعي محمد وشهرته السفروت والذي ما زال هاربا وذلك لاستغلال الأطفال وتسخيرهم في بيع المناديل والتسول مقابل توفير الحماية لهم والطعام والمبيت و مادة الكولة التي يشمها الأطفال. وبمواجهة الطفل اعترف بهروبه من أسرته بالفيوم وأنه تعرف علي السفروت في ميدان رمسيس بمحطة مصر وهو الذي إصطحبه وعرفه علي باقي أفراد العصابة بعد أن طمأنه في أول اللقاء وأوهمه بأنه من بلدته وأنه سيوفر له الحماية وسيجد له عملا يلبي حاجته. وفوجئ به يقدمه لقمة سائغة لزعيم العصابة الذي كان أول من اعتدي عليه جنسيا وهتك عرضه تحت تهديد السلاح و كذلك باقي العصابة الذين لم يستطع مقاومتهم و أجبرته الحاجه علي العمل معهم خوفا من بطشهم بعد أن حاول أكثر من مرة تركهم و فضل عذاب التنكيل به وتسخيره لمدة عامين علي العودة إلي أسرته التي كانت تجبره علي العمل في الحقول ولم تكن أكثر منهم رحمة في معاملته. واعترف الطفل بإدمانه للكولة التي كان يجلبها له أفراد العصابة مقابل جزء من الأموال التي يجمعها من بيع المناديل والتسول في مناطق مسجد المغفرة وسينما سفنكس وشارع جامعة الدول العربية وأنه كان ينام ليلا خلف مسرح البالون. بعد سقوط شعبان واعترافه بالوقائع السابقة وإنكاره للاعتداء الجنسي علي الطفل بقي رابعهم الهارب السفروت ليبدأ رجال المباحث رحلة مجددة للبحث عنه. وفي نهاية التحقيق وبعد ساعات من المناورة أمرت النيابة بحبس شعبان ليلحق بزميليه في زنزانة الحبس وضبط المتهم الهارب كما أمرت بتوقيع الكشف الطبي علي الطفل وإيداعه بمركز المأوي الإقليمي لضحايا الإتجار بالبشر التابع للمركز القومي للأمومة والطفولة لتلقي العلاج النفسي اللازم.