علي امتداد عمري, تابعت أخبار ملايين القتلي جراء الحروب والصراعات والنزاعات الدولية والأهلية والطائفية والمذهبية في جهات العالم الأربع. كنت وأنا طفل غير مدرك تماما لمعني الموت, ولا للفرق بين الموت الطبيعي والقتل الغيلة ولكني كنت أعرف أن الآلاف ماتوا هنا وأن آلافا غيرهم قتلوا هناك من خلال نشرات الأخبار, ولما نضجت مداركي بدأت أفهم ولم يوقف فهمي لمعني الموت وقوع المزيد من المجازر الوحشية تلك التي ترتكبها جيوش احتلال أو سلطات أمن قمعية أوعصابات أو قتلة مأجورون أو قاتل مجنون أو يدعي الجنون. لم تتبلد مشاعري تجاه أخبار هؤلاء الضحايا, فالموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل الجدل ولا يختلف عليها اثنان, ولا تمر أخباره مرور الكرام, بل دائما ما تخلف وراءها حزنا عميقا في نفسي مهما كانت جنسية الضحايا أو ديانتهم أو أعمارهم, وما يزيد من إحساسي بالحزن أني لم أكن أملك لأي منهم أي شيء, ولا أظن أن أحدا يستطيع أن يفعل شيئا إزاءهم, سوي الترحم عليهم والدعاء لهم بحسن العاقبة, إذ لا حيلة في الرزق ولا شفاعة في الموت. إلا أن جرائم قتل بعينها أتوقف أمامها وتتملكني حيرة شديدة بشأنها مثل أن يقتل ابن أباه أو أمه, أو أن يقتل أب أو أم أبناءهما وأشعر بزلزال داخلي يفقدني التوازن. من هذه الجرائم التي استوقفتني بشدة ما نشرته الصحف وأوردته وكالات الأنباء وتناولته الفضائيات عن قتل مواطن سوري علوي من مؤيدي السفاح السوري بشار الأسد لزوجته إثباتا لولائه للنظام الأسدي الديكتاتوري القاتل. كلمات الابنة السورية المعارضة للنظام لبني مرعي التي نشرتها وسائل الإعلام والتي قالت فيها: أبي قتل أمي ليثبت ولاءه للأسد وقعت علي كالصاعقة وأوجعت قلبي, فالموت في حد ذاته مصيبة, ومقتل الأحبة مصيبة أفدح, أما أن تكون الضحية الأم والقاتل الأب فهذا امتحان شديد القسوة, قلبي مع لبني ومع كل أهالي ضحايا الجزار. لبني ذات ال21 ربيعا أصبح أبوها.. غريمها وقاتل أمها!! أي مأساة تلك؟ الأم دفعت ثمن معارضة ابنتها لنظام الأسد حياتها علي يد زوجها. سيناريو أسود.. ضاعت أسرة لبني كما يضيع الشعب السوري.. ضيع الله من ضيعهما. لبني أعلنت تبرأها من والدها جودت كامل مرعي قاتل أمها كما تبرأت من عائلتها بيت مرعي ووصفته بالحاقد والمجرم وبشرته بعقاب الله. الوطن يضيع.. والقيم أيضا تضيع ولكن الأمل في الله لا يضيع أبدا. رحم الله أم لبني وكشف غمة الشعب السوري الأسير.