بينما يتجه العالم كله إلي نبذ العنف والتخلي عن سياسة استخدام القوة في كل المجالات حتي مع الخارجين علي القانون من المجرمين والسجناء, وفي الوقت الذي تطالب فيه المنظمات الحقوقية المصرية بمنع ضرب المسجلين والخطريين في أقسام الشرطة. فاجأنا الدكتور إبراهيم غنيم وزير التربية والتعليم بموقف أقل ما يوصف به أنه غريب بشأن عودة الضرب إلي المدارس! .. وبعيدا عن مناشدات ومطالبات وضغوط الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وخلافه بضرورة مراجعة الوزير لقراره, يأتي القرار نفسه غريبا علي وزير مسئول بحكم منصبه عن تنشئة جيل جديد من الطلاب علي مبادئ الاحترام والحب لتخريج مواطنين منتمين للمجتمع. وإذا كان الوزير معنيا بعودة كرامة المعلم كما ورد في تصريحاته, وبعدم أحقية أولياء الأمور في التدخل في العملية التعليمية, مبررا قراره بأنهمع اعتماد أسلوب الترهيب والترغيب في المدارس, بضرب التلاميذ شريطة ألا يكون الضرب مبرحا, وبدون عصا, فإنه يصبح لزاما علينا أن ننبه الوزير إلي حقائق عالمية ثابتة غابت عنه وهي: أن العالم الذي أصبح قرية صغيرة نبذ هذه السياسة منذ عقود,واستبدلها بطرق تربوية أخري أنجع وأنجح في تحقيق عملية تعليمية مثمرة تحفظ للمعلم كرامته وللطالب آدميته, وأن أسلوب الترهيب والترغيب في المدارس ينتمي إلي عصور تاريخية مضت بالفعل ولم يعد لها وجود, ولغة خطاب لم تعد تناسب العصر الذي نعيشه خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي مازالت أصداؤها تتردد في جنبات مجتمعنا. ثم.. من قال إن تفويض المدرس بضرب التلاميذ سيعيد له كرامته المهدرة إن كانت بالفعل قد أهدرت بمنع الضرب؟ أهدرت كرامة المدرس عندما تقزم راتبه إلي حد عدم الكفاية, وعندما تجاهلته وزارة تلو وزارة ولم تعد تهتم بظروفه المعيشية مما دفع المعلمين إلي اللجوء للدروس الخصوصية لضمان توفير الحد الأدني من الكرامة..ما ترتب عليه النيل من هيبتهم جميعا. أهدرت كرامة المدرس.. عندما تراجعت القيم في المجتمع كله, وسادت الرشوة والمحسوبية وانعدم مبدأ تكافؤ الفرص. ولن تعود كرامته وكرامة الطبيب والمهندس والعالم والشرطي والعامل والفني والسائق.. وكل أفراد المجتمع إلا بعودة القيم والمبادئ, ولن تعود بالتشجيع علي العنف وتقنينه. مدرسة الأقصر التي قامت بقص شعر تلميذتين بالابتدائي لعدم ارتدائهما الحجاب لم تجرؤ علي ارتكاب فعلتها إلا بعد تصريحات الوزير المتعلقة بالضرب, ولو تم تطبيق القرار سيحدث ما هو أفظع مما يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والحرية الشخصية وحرمة الجسد الخاصة. الضرب سيخلق مئات المشكلات.. ولن يحل مشكلة واحدة, ولن يعيد للمعلم كرامته.. وللحديث بقية.