أوبرا عايدة هي القصة التي تستدعي الماضي وتشعرنا بانتمائنا لمصريتنا, كما تسحر قلوب الملايين في مشارق الأرض ومغاربها لحضارة مصر الفرعونية وعبق تاريخها الساحر, وتمثل تلك الأوبرا حالة فنية ثقافية متوهجة لكل من القائمين علي العمل ذاته وأيضا الجمهور الحضور, وذلك لما فيها من تعايش ذاتي بين المغنين وبين شخصيات الاوبرا والتي تجعل الفنانين في حالة توحد مع العمل فنيا ودراميا. وقد بدأت فكرة هذه الأوبرا بعد أن أبدي الخديوي إسماعيل رغبته في إقامة حفل كبير لافتتاح قناة السويس الممر الملاحي المهم الذي ربط بين الشرق والغرب ليوجه انظار العالم أجمع إلي مصر عن طريق الفنون الرفيعة والتي تتربع علي عرشها الموسيقي لغة كل الشعوب, بالفعل كلف الخديوي إسماعيل الموسيقي الإيطالي جوزيبي فيردي بتأليف أوبرا تستمد رحيقها من عطر التراث المصري وبالفعل كتب ميريت باشا( عالم المصريات الفرنسي) قصة الأوبرا وقام جيسلا نزوني بكتابة النص الغنائي( الليبرتو), ثم وضع فيردي الموسيقي مقابل150 ألف فرنك ذهب, وتم تصميم الديكور والملابس في فرنسا مقابل250 ألف فرنك, وأمر الخديوي أيضا ببناء دار الأوبرا خلال ستة أشهر لإقامة الاحتفالية, ورغم الانتهاء من إنشاء أوبرا الخديوية علي أحدث طراز معماري إلا أن الحظ لم يحالفهم ولم تقدم أوبرا عايدة في هذه الاحفالية نظرا لتأخر وصول الملابس والديكور وقدمت أوبرا ريجوليتو بدلا منها. وفي الآونة الأخيرة تم اكتشاف المخطوطات الأصلية لأوبرا عايدة من قبل عالم الآثار الفرنسي أوجست ماريتا في وادي النيل, والمخطوطة عبارة عن قصة من أربع صفحات. وعايدة هي رائعة فيردي التي تضم كثيرا من أشكال الفنون الراقية المتمثلة في الموسيقي الكلاسيكية والغناء الاوبرالي والباليه بالإضافة إلي الأداء التمثيلي والحركي الذي يلامس الحياة الفرعونية, علاوة علي استخدام الديكور الفرعوني في أشكال المعابد ونقوش جدرانها, وتميزها بالملابس الفرعونية بحليها وفخامتها التي تجعلنا نتشدق بتلك الرؤي والحياوات الماضية بكل ما فيها من انتصارات وانجازات وهي مكونة من أربعة فصول تجسد قصة الحب التي جمعت عايدة الأسيرة الحبشية جارية امنيريس ابنة فرعون مصر وراداميس قائد الجيش المصري الذي انتصر علي القوات الحبشية التي حاولت اجتياز الحدود المصرية بقيادة ملك الأحباش اموناصرو ويتم الاحتفال بالنصر وأثناء ذلك يقدم فرعون مصر يد ابنته امنيريس للقائد المنتصر راداميس, وتسمع امنيريس حوارا بين عايدة وأبيها يحرضها علي انتزاع أسرار حربية من راداميس, كما طلبت منه عايدة أن يهرب معها إلي الحبشة وفي ذلك الوقت تفشي امنيريس خيانة راداميس الذي قبض عليه وسيحكم عليه بأن يدفن حيا نظير خيانته وتتسلل عايدة للقاء راداميس وتودعه وتنتهي الأوبرا في حالة من اليأس والبؤس لهذه النهاية التراجيدية للحبيبين. وقدمت أوبر عايدة لأول مرة عام1871 علي مسرح دار الأوبرا الخديوية بفريق عمل أجنبي, قاد الاوركسترا في ذلك الحين المايسترو الايطالي جوفاني بوتيسيني, ولكن بعد تطور الحياة الثقافية المصرية علي يد الدكتور ثروت عكاشة صاحب النهضة الفكرية والفنية والذي أنشأ أكاديمية الفنون بمعاهدها المختلفة أصبحت لدينا أجيال موسيقية تستطيع تقديم أوبرا عايدة بفريق عمل مصري يضم مجموعة من مغنيي الأوبرا المحترفين المهرة وبقيادة مايسترو مصري يكون دوره ربط جميع أشكال الفنون في بوتقة واحدة بالإضافة للدراية الموسيقية الواعية والفطنة لإبراز المناطق الجمالية داخل الأوبرا. ويعتبر مشهد النصر المشهد الثاني من الفصل الثاني بموسيقاه الشهيرة من آلات النفخ النحاسية بالأداء المنفرد لآلات الترومبيت ويعقبها الفلوت والأبوا من أكثر المقاطع الموسيقية تميزا وشهرة حتي بالنسبة للعامة, وأيضا قدرة المؤلف علي الانتقال من حالة نفسية إلي أخري بمنتهي الدقة بأسلوب شيق ورشيق فالموسيقي تشعرك بالصراع والتوتر أحيانا كما يعتريها الغموض في أحيان أخري, ونلحظ أيضا في الفصل الثالث استخدام فيردي لآلة الفاجوت بشكل مكثف بصوت يمتليء بالدفء والعمق ويتناوب أحيانا مع آلة الابوا في بعض الألحان وأيضا إبراز تلك الآلة في مواضع عدة للتعبير عن الحالة الدرامية علي المسرح, ويعبر أسلوب فيردي في الكتابة الموسيقية عن سيطرة تامة علي أسس التأليف الموسيقي باستخدام العناصر الموسيقية مجتمعة, كما تؤكد الحنكة المهارية في الكتابة الاوركسترالية لاستخراج ألوان صوتية متعددة من خلال المساحات الصوتية مكتملة للآلات من المنخفضة جدا إلي شديدة الحدة مما يعبر عن دراسة متعمقة في علم الآلات جعله يتطرق لكثير من المناطق الصوتية غير المعتادة لبعض الآلات وخاصة في الأعمال الاوركسترالية, أيضا استغل جميع آلات الاوركسترا في مقاطع فردية حيث استخدم في الفصل الرابع صولو الكنترباص وهي آلة مصاحبة وغير المعتاد استخدامها كآلة صولو, بالإضافة لكتابته لآلتي الباص كلارينيت والكورانجليه ليعبر بهما عن حالة نفيسة معينة داخل الأوبرا تشعر المشاهد باقتراب نهاية القصة التراجيدية المأساوية للحبيبن.