بعد رفع السعر.. تعرف علي تفاصيل كارت الخبز "غير المدعم"    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 30 مايو 2024    أسعار الدواجن والبيض اليوم الخميس 30-5-2024 في قنا    عاجل:- قوات الاحتلال تقتحم مدن الضفة الغربية    موعد مباراة المصري وجمهورية شبين بكأس مصر والقنوات الناقلة    حالة الطقس اليوم: درجات حرارة مرتفعة ورياح نشطة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-5-2024    السيسي يوجه رسالة حاسمة لإثيوبيا: لن نسمح بالعبث بأمن واستقرار دولنا وشعوبنا    تراجع أسعار الذهب في بداية تعاملات اليوم الخميس 30 مايو    بمسدس بلاستيكي، أغرب عملية سطو مسلح على بنك في الأردن    ساعة ذكية للأطفال بمميزات عديدة من شاومي    "الهندي وصل" إعلان هاتف Realme Narzo N65 الجديد في الخارج بسعر اقتصادي    محمد بن زايد: يجب إيجاد أفق سلام فى الشرق الأوسط بتنفيذ حل الدولتين    من بكين، رسالة رئاسية نارية لوقف إطلاق النار بغزة وإنفاذ المساعدات    الأحد.. افتتاح عرض الأرتيست على مسرح الهناجر    الجيش الكوري الجنوبي: كوريا الشمالية أطلقت 10 صواريخ باليستية قصيرة المدى    علاج أول مريض سكري باستخدام الخلايا في سابقة فريدة علميا    السل الرئوي.. الأعراض والمخاطر والعلاج والوقاية    ضحى بنفسه من أجل إنقاذ زميلته، عائلة الممثل جوني واكتور تكشف اللحظات الأخيرة قبل مقتله    نتيجة الصف الثاني الثانوي الترم الثاني 2024 بالاسم ورقم الجلوس في جميع المحافظات    كارثة تهدد حياة 23 مليون أمريكي بسبب كوفيد طويل الأمد.. ما القصة؟    خالد أبو بكر يهاجم "المحافظين": "التشكيك بموقف مصر لو اتساب هتبقى زيطة"    ثغرة جديدة في نظام تشغيل ايفون.. تفاصيل    هل تجوز الصدقة على الخالة؟ محمد الجندي يجيب    موعد الملاحق.. متى امتحانات الدور الثاني 2024؟    خالد مرتجي: لن ننسى العامري فاروق.. والخطيب تحمل ما لا يتحمله بشر    الطريق إلى يوم التروية.. خطوات الحج 2024 من الألف للياء    تريزيجيه يتحدث عن مصيره بعد اعتزال كرة القدم    غضب دولي إزاء الغارات الجوية الإسرائيلية على مخيمات النازحين في رفح    بعد تصريحات «شيكابالا».. «كهربا»: «في ناس مبطلة من 2010 بيروحوا البيت لبابا عشان يجددوا»    العراق.. سماع دوي انفجار في منطقة الجادرية بالعاصمة بغداد    كهربا: الأهلي غير حياتي وأنا رقم 1    الحرس الوطنى التونسى ينقذ 17 مهاجرا غير شرعى بسواحل المهدية    تقوية المناعة: الخطوة الأساسية نحو صحة أفضل    ياسمين صبري: أتمنى أمثل مع توم كروز وليوناردو دي كابريو    عضو جمعية الاقتصاد السياسي: يمكن للمستثمر الاقتراض بضمان أذون الخزانة    ضبط سيدة تبيع السلع المدعومة بالسعر الحر.. نصف طن سكر مدعم و203 زجاجة زيت و800 كيلو عسل    الجيش الأمريكي يعلن تدمير مسيرتين ومنصتي صواريخ للحوثيين في اليمن    اللواء أحمد العوضي ل"الشاهد": سيناء تشهد طفر غير مسبوقة وتنمية كبيرة    بيبو: التجديد ل معلول؟ كل مسؤولي الأهلي في إجازة    "ديربي القناة".. تعرف على موعد مباراتي اليوم بكأس مصر والقنوات الناقلة    «البوابة نيوز» تهنئ قناة القاهرة الإخبارية على حصدها جائزة التميز الإعلامي العربي    وزير الصحة يبحث مع سكرتير الدولة الروسي تعزيز التعاون في مجال تصنيع الدواء والمعدات الطبية    مع زيادة سعر الرغيف 4 أضعاف .. مواطنون: لصوص الانقلاب خلوا أكل العيش مر    دون خسائر بشرية.. السيطرة على حريق محل لعب أطفال في الإسكندرية    أحمد عبد العزيز يكتب // الإدارة ب"العَكْنَنَة"!    وفاة الفنانة التركية غولشاه تشوم أوغلو    بعد مراسم مماثلة ل"عبدالله رمضان" .. جنازة شعبية لشهيد رفح إسلام عبدالرزاق رغم نفي المتحدث العسكري    «رهينة للمتطرفين».. خطة المعارضة الإسرائيلية للإطاحة ب نتنياهو    الإفتاء توضح حكم التأخر في توزيع التركة بخلاف رغبة بعض الورثة    كهربا: علي معلول تعرض للإغماء بعد الإصابة وجلست أبكى بجواره    حظك اليوم| برج الثور الخميس 30 مايو.. «ابتعد عن المشاكل»    كهربا: لم أقصر في مشواري مع الزمالك    الحكومة تعلن الانتهاء من خطة تخفيف الأحمال في هذا الموعد    ارتفاع سعر الحديد (الاستثمارى و عز) وتراجع الأسمنت بسوق مواد البناء الخميس 30 مايو 2024    تخصيص 65 فدانًا لصالح توسعات جامعة الأقصر بمدينة طيبة    ما هو اسم الله الأعظم؟.. أسامة قابيل يجيب (فيديو)    رئيس جامعة المنوفية يعلن اعتماد 5 برامج بكلية الهندسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة
جدع

يسطو فزع علي الوجوه‏,‏ لابسو الرداء الأسود يقذفوننا بالنار‏,‏ نتقدم الهويني‏,‏ نتراجع كالسكاري‏,‏ تتلاقفني الحيرة‏.
لماذا يقلقهم صراخنا؟
تتزايد تشكيلاتهم‏,‏ يزومون بالخوار‏,‏ مدرعات القنابل المسيلة للدموع تتصدر المشهد‏,‏ الغازات تنطلق من أسرها‏,‏ تفترش الأجواء‏,‏ كأنها أحجار ألقيت في بحر الناس‏,‏ فالتهمتهم الدوامات‏:‏
أتعتقد أن الاختناق يثبط العزائم؟
أمست القنابل صديقة لنا‏,‏ نطاردها أينما وقعت‏,‏ نردها ثانية فوق رؤوسهم‏,‏ يتحركون في صفوف منتظمة لتحرير الميدان من الشعب‏,‏ تسح السماء رصاصا مطاطيا‏,‏ انتقل من رقعة الي الأخري كالبهلوان‏,‏ حينما يكرون أفر‏,‏ وحينما يفرون أكر‏,‏ كأفلام توم وجيري‏:‏
لا أدري لماذا يصممون علي قتلنا؟
تحتضن الأرض أقدامنا‏,‏ جلمود الأسفلت لا يمنعنا التقدم‏,‏ يطوفنا الاصرار بعزم الرجال‏,‏ اندفع مخترقا الصفوف‏,‏ أي نعم أخشي الاصابة والدم‏,‏ ولكن لابد من مهاجمين‏,‏ تدافع الكثيرين يخلخل بنيان الأمن‏,‏ أي نعم يملكون البارود والنار‏,‏ ونحن نصمد فيتقهقرون‏,‏ كلماتنا ترج السماء‏:‏
الشعب يريد إسقاط النظام‏.‏
أرقص متفاديا نثار البارود‏,‏ ضبابية المشهد تصدمني‏:‏
‏(‏نلعب الكرة‏,‏ أرض الملعب شاغرة‏,‏ عيل من درب الجزارين يحتمي بعصابته‏,‏ يتوسط ساحتنا الصغيرة‏,‏ يأبي الابتعاد‏,‏ نخاطب وده‏,‏ نرجوه المغادرة‏,‏ يرفض الزحزحة‏,‏ نتجنب الشر‏,‏ نترك الجمل بما حمل‏,‏ نخط ملعبا ثانيا‏,‏ وتهجم عصابته‏,‏ يتكرر السيناريو والحوار‏,‏ الشد والجذب لا يفيدان‏,‏ ننسخ المشهد الأول كربونيا ثلاث مرات‏,‏ أينما نذهب نجده أمامنا‏,‏ تفرعن وصمم أن نغادر المكان‏,‏ هاجمته ضربا وركلا وعضا‏,‏ باغته بالمفاجأة‏(‏ وفين‏)‏ يوجعك يابن الهرمة‏,‏ كلا الفريقان التزما بالفرجة‏,‏ انتفضت عضلاتي مدفوعة بآيات الكبت المهول‏,‏ طالت المعركة‏,‏ اصابته الكدمات والجروح بالوجع‏,‏ انسحب وفريقه‏,‏ استأنفنا اللعب وكأننا لم نلعب طوال حياتنا‏).‏
الجنود ينظمون صفوفهم وكأنهم سيشنون هجوما ماحقا‏,‏ المقذوفات تنطلق من كل حدب وصوب‏,‏ القناصة ينتشرون فوق البنايات المحيطة بالميدان‏,‏ تنتابني التساؤلات‏:‏
أنحن الأعداء؟
لماذا يطلقون في وجوهنا كل هذا السيل المنهمر من النار؟
أمعركتهم معركة وجود؟
ترتج الاستغاثات في الصدور الموجوعة‏:‏
سلمية‏..‏ سلمية‏.‏
يدافعون عن الميدان بكل شراسة وكأنه إرث الأجداد‏,‏ ينعقون كالغربان‏,‏ أصاب جسدي النصب والتعب‏,‏ أتكعبل في الأقدام‏,‏ انكفئ علي وجهي‏,‏ الأيادي الصلدة تحول دون الفتك بي‏,‏ أتراجع بضع خطوات‏,‏ يغرقون وجهي بالخل‏,‏ أكره رائحته النفاذة‏,‏ أنزوي فوق لرصيف بعيدا عن خط المواجهة المباشر‏,‏ التقط الأنفاس‏,‏ دوامات ومزاحمات واللب شارد والعقل متفحم‏.‏
‏(‏خمسة وأربعون مترا مساحة شقتنا‏,‏ أنفاس أمي وأبي تطاردني‏,‏ سيمفونية الشهيق والزفير تأز كالكهرباء‏,‏ أبي منكفئ في عبه‏,‏ تطويه همومه في دنيا السكوت‏:‏
دوما يعلل شظف حياته بالشرف‏.‏
ربما يكون طيبا زيادة عن اللزوم‏.‏
راتبه بالكاد يكفينا‏,‏ لا ألومه‏,‏ بل أحترمه‏.‏
يلمحني مكتئبا فيعطيني عشرة جنيهات‏,‏ أرفضها‏,‏ فيصر ملحا‏,‏ يرتسم وجهي بالتكشيرات‏:‏
ما ذنب الرجل يافالح؟
لا أدري‏.‏
أتشعر بالعجز؟
أي نعم‏,‏ ينكسني الشعور بالدونية‏.‏
زملائي أصحاب الملاحق يديرون البنوك الآن‏.‏
وأنا الأول علي الدفعة‏,‏ تائه في دروب العسس‏,‏ ممزق فوق حبال المدينة‏.‏
والله يا والدي لم أقصد ادماء شعورك‏,‏ ولكن رذاذ الكلام يحط علي وجهك المكفهر‏,‏ يسربلني رداء الغيظ‏,‏ ضلوعي تطق شررا‏)‏
أقدام الناس تزيحني‏,‏ أنط كالرهوان في ركابهم‏,‏ يهدأ العدو‏,‏ وجوهنا تتلاقي بوجوهنا‏,‏ أنفاس لاهثة وأخري متقطعة وثالثة موءودة‏,‏ أبدان تعبة وأخري متحفزة‏,‏ أطس أنفي بالخل‏,‏ حديد يا عم حديد‏,‏ أنا الآن عمود من الفولاذ وبركان من نار‏,‏ استفز الجميع‏:‏
بلاش خوف‏,‏ الرب واحد والعمر واحد‏.‏
نرقد بحذر‏,‏ تقع الأدخنة جوار قدمي‏,‏ أمسكها بيدي اليمني‏,‏ أعدو قرابة مائة متر‏,‏ أقذفها بين حشودهم‏,‏ أتراجع مسرعا‏,‏ يشتوي جوفي بالأدخنة‏,‏ تأخذ الحماسة شابا‏,‏ يطارد السيارة المدرعة‏,‏ يقفز عليها من اليمين واليسار ومن الخلف والأمام‏,‏ كاد يقبض علي العسكري الذي يطلق الخرطوش في شتي الاتجاهات‏,‏ يتشبث العسكري ببندقيته الملاذ‏:‏
أيعتقد أن وجوده متحقق بمقذوفات بندقيته؟
أشبه ما يكون بالإنسان الآلي لا عقل له ولا قلب‏,‏ مجرد برنامج الكتروني لا شيء فيه سوي الضغط علي زناد القتل‏.‏
أليس له أبناء وأخوة؟
ألم يشعر بالحزن أو الألم قبلا؟
نزعوا قلبه وعقله وثبتوا مطرحهما شريحة الكترونية‏.‏
ألهذا الجندي أصدقاء؟
ماذا يدور بينهم لحظات السمر؟
أيشرب الشاي ويدخن السجائر؟
أيضحك‏;‏ ويبكي؟
أيمشي في الشارع والحارة والزقاق؟
أشارك الشباب ملهاته‏,‏ القدود النافرة تعتلي صهوة المدرعة تترنح وتتطوح بتعنت وأصرار تدهس الكثيرين‏,‏ أوجاعهم موسيقي تصويرية للمشهد‏,‏ التنقل بين الحركات العنيفة أتاح لها الهرب‏,‏ آه ياله من صداع فظيع‏!‏ رائحة الشياط تزكم أنفي‏,‏ تهاجمني البقايا والأشلاء‏:‏
‏(‏يحكي أبي‏':‏
يتسلل الملثم إلي دروب القرية‏,‏ تزوي طلقات نارية‏,‏ تنتشر الهمهمات فوق الدكك‏,‏ لا أحد يتحرك‏,‏ فالروح التي حصدتها الطلقات معلومة مسبقا لكل دان وقاص‏,‏ أسأله‏:‏
ماذا حدث؟
أجابني متهما إياي بالغباء‏:‏
الملثم ثأر لعائلة من عائلة أخري‏.‏
مقابل ماذا؟
صرة فلوس‏.‏
أيمكن أن يمتهن فرد ما القتل؟
لحظتها لم أجد اجابة شافية‏,‏ فامتهان القتل خيال بعيد‏).‏
ما بين التقدم والتأخر خبط ورزع‏,‏ أجساد تتعري من أرواحها هنا وهناك‏,‏ صمت وصياح‏,‏ هدير ونفير‏,‏ ساعات الخطر يتحلي الإنسان بأبهي سترة بتسامق عزمي‏,‏ يتفصدني الشعور بالنصر‏,‏ تسبح النداءات في السماء‏:‏
واحد‏..‏ اثنين‏..‏ الجيش المصري فين؟
تثور الأرض‏,‏ تنتشر الأغبرة‏,‏ الآلاف يجرون الآلاف‏,‏ أمست الحياة مرتبطة باللحظة‏,‏ أراني‏:‏
‏(‏أحبو علي بساط التأمل‏,‏ المصير يأبي التحديد‏,‏ يلاحق الفشل مشاريعي‏,‏ كل الأبواب موصدة‏,‏ عهدت المقاهي سكوني‏,‏ أبحث في الوجوه عن بارقة أمل‏,‏ وما من أمل ينبت‏,‏ أتسول بقعودي عطف أبي وحزن أمي‏,‏ أكفر بقراءة الصحف والمجلات‏,‏ لا شيء في التلفاز سوي مسلسلات الأثرياء‏,‏ قصورهم الضخمة تصيبني بالغثبان‏,‏ نساؤهم‏(‏ التي شرتية‏)‏ مغرورة تتأرجح عجيزتهم صعودا وهبوطا ينصبون خيام الفرفشة‏,‏ تفوح روائح الحشيش والبانجو وكؤوس الخمر المترعة بحبات الكريز‏,‏ موسيقي الفالس والتانجو والشيكابيكا يتناقلها أثير المنطقة العشبية‏,‏ يتقافزن في حمامات سباحة الخدر‏,‏ وأقصي يمين الصورة عقود تمليك المحروسة‏,‏ احرك مؤشر القنوات‏,‏ جوقة السلطان يستبدلون بيوتهم باستوديوهات الأخبار يبرزون للجاهلين عبقرية الأمبراطور‏:‏
سيداتي سادتي‏:‏ اليوم زيارة غير مسبوقة لرئيس غير متبوع‏,‏ والمنافسج افتتاح مصانع الكوع والبوع‏,‏ الكائنة بأرض الينبوع‏,‏ وبجوار مرفأ الجربوع‏,‏ والاقتراب من الموكب ممنوع فأشاوس الحرس الخاص مستعدون لقنص الأرواح‏).‏
تكسرت عظامي‏,‏ بلغ التعب الحلقوم يقاوم آلة قتل عملاقة دماء في كل مكان‏,‏ يعبث الضباط بحياتنا‏,‏ يصبون جام غضبهم من فوهات بنادقهم‏,‏ يفشون غليلهم بالثأر منا‏,‏ وكأننا دمي يحركونها علي مسرحهم يتمترسون خلف مدرعاتهم‏,‏ يزحف الشعب يطلقون الحمم والبارود‏,‏ بنيان الناس المرصوص يكتسح الأرض والفراغ‏,‏ لا يفل الحديد إلا الحديد‏,‏ هجوم من شتي الدروب والبقاع‏,‏ الأبدان شرسة تحطم سواتر الخوف والتراجع‏,‏ ينتابهم الهلع والفزع‏,‏ يتعطل الحديد والرصاص‏,‏ أمست الأرض كتلة بشرية هائلة لا حدود لها‏,‏ خرج الكائن الجلمود من القمقم‏,‏ تقطعت خيوط الشرانق‏,‏ مازال العساكر يعافرون اخترقت سياراتهم‏,‏ يهربون كالجرزان‏,‏ تهل الدبابات صفراء اللون‏,‏ تتوحد الحناجر‏:‏
الشعب والجيش إيد واحدة‏.‏
هربت الشرطة تحرير الميدان من جند السلطان مركبات الجيش تنتشر بالمكان‏,‏ أقطع الميدان طولا وعرضا أجهش بالنحيب‏.‏
أنهيت قراءة الوريقات بصعوبة بالغة تبللت رفاته بالدموع المدرارة‏,‏ سمقت شهادته في أوراقه يتمكن من أتمامها‏,‏ مما يحرمني الوقوف علي مشهد مصرعه‏:‏
أيمكن أن ترتد إليه الروح ليكمل سرد الحكاية؟
أيرضي بمغادرة السماء والرجوع ثانية إلي الأرض ليلمس نهاية المشوار؟
أيخبرنا عن الخيانات؟
اعترف لك الآن بأنني حين عدت إلي الشقة‏,‏ طال وقت غيابك‏,‏ تقاذفتني أمواج مضطربة‏.‏
أفصح عن انشغالي عليك أم أصبر؟
التجم لساني‏,‏ اكتنفني التوتر‏,‏ لم يطب لي الانتظار اقتحمت ميدان التحرير‏,‏ نسيت البحث عنك‏,‏ جرفتني المظاهرات إلي شطآن الأنصهار‏,‏ بعثت سنوات عمري الفائتة‏,‏ عاركت الأنكسار‏,‏ حطمت قيودي‏,‏ فتكت بجسد الخوف‏,‏ التحفت الأرصفة وثيرة الفراش‏,‏ نعزف لحن الموت‏,‏ تعملق غيابك‏,‏ الحيرة تفتك بي‏,‏ أجرجر أقدامي إلي المشرحة‏,‏ عشرات الجثث ملقاة هنا وهناك‏:‏ لا معالم ولا حدود‏,‏ أسير علي غير هدي بين نثار اللحم والدم‏,‏ ها أنت تعرقلني لأرتمي في أحضانك‏,‏ تجففني الدموع‏,‏ ألملمك بين أناملي‏:‏
آه‏..‏ قضيت علي بقيتي الهرمة يابني‏.‏
بقايا جسدك مفرفرة بالطلقات كالغربال‏,‏ كل الأيادي القانصة كبشت ملء كفها من لحمك‏,‏ كل زبانية السلطان نهشوك‏,‏ الآلاف يحيطون بجسدك‏,‏ بأياد صلبة يشدون أزري‏,‏ أحدهم يعطيني حافظة نقودك وأوراقك‏,‏ أحملك كأنك مازلت وليدا‏,‏ أوسدك الأرض الطرية‏,‏ أتلو الشهادة‏,‏ أقود ابني إلي الميدان‏.‏
عصام الدين محمد أحمد

رابط دائم :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.