لم تكن صدمتي شديدة عندما قرأت مساء الإثنين الماضي تصريحات كان يتم بثها من خلال شريط النيوزبار علي قناة سي بي سي للمهندس جابر الدسوقي رئيس الشركة القابضة للكهرباء. عندما أشار إلي إغلاق أول محطة لتوليد الكهرباء وهي محطة الكريمات لعدم وجود غاز طبيعي لتشغيل محطات الكهرباء وأن احتياطي المازوت البديل للغاز الطبيعي يكفي منطقة غرب القاهرة لمدة يوم واحد وقال: نحن نواجه كارثة في الطاقة وسنضطر لقطع الكهرباء عن محافظات بأكملها خلال الأيام القادمة أقول أن صدمتي لم تكن شديدة لأنني كنت أعلم بحجم هذه الكارثة التي نحن بصددها حاليا منذ فترة طويلة وكشفت عنها بمقالي في شهر أغسطس الماضي عقب المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه د. هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء من الأسباب التي تؤدي إلي انقطاع الكهرباء المستمر في مختلف أنحاء مصر في الفترة الأخيرة وبدأت تهدد كثيرا من المؤسسات والمرافق المهمة مثل قطارات المترو والمستشفيات والمصانع ومبني التليفزيون بل ضربت محافظات بأكملها. هذه الحقيقة التي لم يتطرق إليها هي أننا أصبحنا بالفعل في أزمة نقص طاقة كهربائية كبيرة جدا وأن الأزمة ستستمر لعدة سنوات قادمة نظرا لأن ما ننتجه من كهرباء سواء عن طريق المحطات المائية كالسد العالي أو المحطات الحرارية لم يعد يكفي الاحتياجات المختلفة في مصر وأصبح هناك بالفعل عجز كبير في الطاقة الكهربائية التي نحتاج إليها حاليا تصل نسبته إلي10% من إجمالي ما نحتاجه, وقد أصبح هذا يهدد مستقبل كل الاستثمارات المزمع تشجيعها في الفترة القادمة بعد استقرار الأوضاع السياسية, كما ان إقامة محطات توليد الكهرباء مكلفة جدا وتحتاج إلي سنوات طويلة, وقد حدث للأسف نوع من التراخي طوال السنوات الماضية في إنشاء هذه المحطات بالشكل الذي كان يتماشي مع متطلبات التنمية واحتياجات المواطنين وكانت هذه جريمة ارتكبها النظام السابق ضمن تعدد جرائمه في حق هذا الوطن, ومع احترامي وتقديري للدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء في مطالباته للشعب بترشيد استهلاك الكهرباء ومطالبتهم بارتداء الملابس القطنية للتخفيف من شدة حر الصيف وتخفيض عدد أجهزة التكييف وتشغيل جهاز واحد دون تشغيل6 أو7 أجهزة في وقت واحد والتجمع في غرفة واحدة لترشيد استهلاك الكهرباء بالمنازل وأنا لا أعرف كم عدد الأسر التي حصرها رئيس مجلس الوزراء التي تمتلك6 أو7 أجهزة تكييف في مقر إقامتها خاصة وأنه يعلم ان اكثر من50% من الشعب المصري تحت خط الفقر وأن نسبة كبيرة من المواطنين لا يملكون حتي مروحة كهربائية لتقلل لهم حرارة هذا الجو القائظ, وقد أثارت تصريحات رئيس مجلس الوزراء وقتها موجة من الانتقادات بين كثير من المواطنين الذين استقبلوا تصريحاته بردود أفعال مختلفة تراوحت بين الغضب والاستنكار والسخرية وأثارت تخوف المواطنين من تصاعد أزمة الكهرباء خلال الأيام المقبلة ولجوء الحكومة إلي رفع أسعارها, خاصة مع عدم تبرير المسئولين سبب أزمة انقطاع الكهرباء, إلا بسبب زيادة الأحمال وارتفاع درجات الحرارة, وهي الأسباب التي لم تقنع رجل الشارع. لذا أطالب رئيس مجلس الوزراء مرة أخري بأن يصارح الشعب من الآن بحقيقة الأزمة وأنها لن تنتهي طوال السنوات القليلة القادمة لكن قد تخف حدتها بعد انتهاء فصل الصيف الذي يفرض استخدام طاقة أكبر من الكهرباء خاصة في شهر رمضان الذي سيظل قدومه مستمرا لعدة سنوات قادمة خلال فترة الصيف, كما أن عملية إنشاء محطات توليد كهرباء حرارية ليست بالسهولة بمكان وأن يوضح لهم أن الموجود منها تحت الإنشاء حاليا والذي سيدخل الشبكة خلال الأيام القادمة بالتدريج مثل محطة غرب دمياط أو محطة أبي قير ستقلل بالفعل من حدة المشكلة لكن لن تنهيها لذا يجب علي الحكومة من الآن أن تبدأ بعد مصارحة الشعب في وضع إستراتيجية طويلة الأمد لإنشاء محطات توليد كهرباء حرارية تكفي لسد العجز الموجود حاليا وتوفر لأية مشروعات تنمية مستقبلية حاجتها من الطاقة الكهربائية, ولابد أن نوفر لكل محطات التوليد الوقود أو الغاز اللازم لها حتي لا تخرج من الخدمة كما يحدث حاليا, هذا إذا كنا نريد فعلا أن تعود عجلة الإنتاج للدوران وأن تكون هناك تنمية حقيقية في الفترة المقبلة واستثمارات ضخمة تعمل علي الحد من مشكلة البطالة وتعمل علي استغلال طاقات هذا الوطن التي ظلت مهدرة ومنهوبة عدة سنوات مضت وهذا لايمنع في نفس الوقت أن تكون هناك توعية مستمرة للمواطنين لترشيد استهلاكهم للكهرباء دون أن يؤثر ذلك علي احتياجاتهم الفعلية منها.