عادة الثأر من العادات المذمومة التي يعاني منها صعيد مصر, فهمي نار ملتهبة تحرق الأخضر واليابس, وتهدم كيان أسر وعائلات, كانت في وقت سابق تعيش في أمن وأمان وسلام.. فكم من أطفال بسببها, ذاقوا مرارة اليتم, وكم من أرامل تجرعن الحزن لوفاة أزواجهن, وكم من أمهات فقدن فلذات أكبادهن, وبيوت عششت في أركانها الخفافيش ونعقت فوق أسطحها الغربان. ففي سوهاج انتشرت ظاهرة الثأر بين أهالي القري والمدن منذ مئات السنين وراح ضحيتها المئات من الشباب وأصيب المئات بعاهات مستديمة, ومازالت الخصومات الثأرية تنتشر بمعظم قري المحافظة بسبب العادات والتقاليد الخاطئة, وتبدأ عادة الثأر اللعين في كثير من الأحيان بأتفه الأسباب, مابين خلافات الجيرة ونزاعات الأراضي الزراعية ولهو الأطفال والمصاهرة وغيرها من الأسباب. وقد نجحت جهود الأجهزة الشعبية والتنفيذية والأمنية في محافظة سوهاج في إنهاء خصومة ثأرية دام عمرها أكثر من30 عاما بين أبناء العمومة( آل راجح) بمركز البلينا, وحقن الدماء بين أفراد العائلة الواحدة, ليرفع شعار الصلح خير في مؤتمر شعبي كبير عقد بالقرية وتبادل فيه الحاضرون التصافح بالأيدي وتقبيل الوجنات. تعود الخصومة بين أبناء العمومة إلي العام1982, وقتها نسب نزاع بين أفراد العائلة الواحدة لخلافات الجيرة وتحول النزاع إلي معركة دامية, استخدمت فيه الأسلحة النارية والعصي والشوم والحجارة, مما أسفر عن مقتل ابراهيم عبدالشافي محمد, ورغم إلقاء القبض علي المتهم ويدعي أبو السعود نصر الدين والحكم عليه بالسجن.. لم يقتنع الطرف الآخر بهذا العقاب وراحوا يعدون عدتهم للثأر لفقيدهم, الأمر الذي ترتب عليه استمرار اليقظة والحرص من الطرف الثاني تحسبا لفقدان أي من أفرادهم. وهكذا أصبح الخوف والهلع يهيمنان علي أفراد العائلة الواحدة, حيث تربص كل طرف للآخر, وصار الهاجس المشترك هو الانتقام والثأر, حتي توقفت مصالحهما, وباتت زراعاتهما يهددها القلق والبوار, بفعل الإهمال وعدم التفرغ لرعايتها, وكذلك توقف أعمالهم الشخصية خشية سفك المزيد من الدماء. وعلي الخلفية المشار إليها, أخذ اللواء عبدالعزيز النحاس مساعد وزير الداخلية لأمن سوهاج بالتنسيق مع المحافظ الدكتور يحيي عبدالعظيم يحثان كبار الطرفين علي إنهاء هذه الخصومة, التي ألحقت بهم أشد الأضرار.. وبعد عملية جذب وشد ومشاورات امتدت لعدة أسابيع بين كبار العائلتين ورجال الدين الاسلامي والاجهزة الامنية بقيادة العميد الحسن عباس مدير إدارة البحث وكذلك لجنة المصالحات.. استقر رأي الجميع علي أن الصلح خير, وليس هناك ما يمنع من التصافح والعيش في سلام. وبالفعل استقر الرأي علي أن يقوم المتهم بتقديم الكفن لابن المجني عليه محمد إبراهيم, وفي مؤتمر كبير عقد بالقرية دعت إليه كل قيادات الاجهزة الشعبية والتنفيذية في محافظة سوهاج, وكبار العائلات بالقري والمراكز المجاورة, حيث تبادل الكل قبلات الحب والصفح وعاهدوا الله أمام الجميع علي طي صفحة الخصومة وتوديعها من دون رجعة. وقد بارك هذا الصلح أكثر من خمسة آلاف مواطن من الحاضرين في مقدمتهم محافظ سوهاج الدكتور يحيي عبدالعظيم واللواء عبد العزيز النحاس مدير الأمن صاحبا الفكرة, وفي نهاية الحفل أكد المحافظ أن هذا الصلح التاريخي يعبر عن الروح الطيبة, التي يتمتع بها أهالي سوهاج, ويجب علي الجميع نبذ العنف بينهما, وفتح صفحة جديدة وطي الخلافات. وقال إنه يسعي جاهدا بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية لإنهاء جميع الخصومات الثأرية بالمحافظة, حتي يعم الأمن والأمان والاستقرار ربوع سوهاج. ومن جانبه أكد مدير الأمن أن الأجهزة الأمنية نجحت خلال الفترة الماضية في إنهاء أكثر من40 خصومة ثأرية علي مستوي قري ومدن محافظة سوهاج, مشيرا إلي أن المرحلة المقبلة ستشهد تكثيف الجهود لإنهاء الخصومات الثأرية كافة.