الإشارات التي خرجت من القاهرة وواشنطن في التعاطي مع تداعيات الفيلم المسيء عكست إرهاصات مخاض جديد للعلاقات الثنائية بين البلدين. وكشفت عن وجود خلل استراتيجي في هذه العلاقة التي تبحث لها عن مفاهيم وآليات جديدة غير تلك التي كانت تحكمها في عهد الرئيس المخلوع! وربما تشهد الأيام المقبلة المزيد من التطورات في هذه العلاقة التي ستدخل حتما في مزاد السباق الرئاسي في الولاياتالمتحدة بين باراك أوباما ومنافسه رومني الذي استغل واقعة الفيلم المسيء في حملته ضد أوباما ونجح في استغلال هذه الظروف في الدعوة إلي إعادة النظر في العلاقات مع مصر. إدارة أوباما كانت تريد من مصر موقفا حاسما تجاه المتظاهرين الذين تسلقوا أعلي سور السفارة وأنزلوا العلم الأمريكي ووجدت أن السلطات المصرية تعاملت بفتور تجاه هذه الأزمة وتأخرت في التعامل مع المتظاهرين حتي وصلوا إلي داخل السفارة, الأمر الذي أغضب أوباما ودفعه للقول بأن مصر ليست صديقا ولا عدوا, ورغم أن البيت الأبيض حاول بعد ذلك تجميل هذه العبارة بعبارات دبلوماسية أكدت عمق الروابط بين البلدين, إلا أن مصر فوجئت بهذا التصريح وحاولت استرضاء الأمريكان من خلال عدة تصريحات بالتزامن مع تحركات أمنية علي الأرض أحكمت قبضتها علي محيط السفارة وأخلته من المتظاهرين. ومن بين الإشارات التي خرجت من القاهرة للطبطبة علي الأمريكان تصريحات هشام قنديل التي أدان فيها الاعتداء علي السفارة الأمريكية, ثم المغازلة الإلكترونية بين خيرت الشاطر والخارجية الأمريكية التي أكد فيها أن مصر ترفض هذا الاعتداء وتبعها بخطاب للتأكيد أرسله لصحيفة نيويورك تايمز أشار فيه إلي ما سماه بخطأ السلطات المصرية في التعامل بالاعتداء علي السفارة وزاد عليه بالمطالبة بالتحقيق فيما سماه أيضا فشل الشرطة في حماية السفارة الأمريكية. إذن نحن أمام خطابين يعكسان أزمة موقوتة بين البلدين تكاد تنفجر, إلا أنه في تقديري أن الرهان علي إدارة أوباما في الفترة الحالية التي تخوض فيها انتخابات جديدة يعد خاسرا, كما أن محاولة إرضاء الأمريكان علي حساب الشعب الذي قام بثورة أطاحت بنظام كان تابعا لأمريكا يعد أيضا خاسرا. ومن الحكمة أن نتحرر في قراراتنا ومواقفنا لأننا أصبحنا دولة مستقلة.