د.فؤاد اسكندر أحد الخبرات الاقتصادية التي أنجبتها مصر وآخر من تولي حقيبة وزير الهجرة قبل الغائها منذ سنوات طويلة في عهد حكومة د. عاطف صدقي. ورغم تركه العمل السياسي منذ سنوات طويلة لم ينفصل عن الشأن العام. حيث انتقل من منصب إلي آخر إلي أن استقر به الحال حاليا ليصبح رئيسا لشعبة السياسات المالية بالمجالس القومية المتخصصة. تحدث اسكندر مع الأهرام المسائي عن النهوض بالاقتصاد المصري الذي تعكف المجالس علي اعداده حاليا فضلا عن رؤيته للمشهد الاقتصادي الحالي وكيف يمكن الاستفادة من المجالس القومية المتخصصة كمركز للأفكار والأبحاث التي تتعلق بكافة قضايا الوطن. وإلي الحوار: * بصدد حديثنا عن المجالس القومية المتخصصة كيف يمكن الاستفادة منها في عهد مصر الجديد؟ ** لابد وأن تصبح المجالس احدي المؤسسات المسموعة في الدولة خاصة وأنها تضم الأجيال القديمة من العلماء والمفكرين والمتخصصين الذين يملكون خبرات واسعة لاشك أنها مفيدة لمصر ولشعبها كما أن الخبرات بها متراكمة وبالتالي لا يجب تجاهلها علي الإطلاق ودعيني أسوق مثالا علي أهمية تلك المجالس من خلال شبيهها في فرنسا التي توجد بها الأكاديمية الفرنسية وهي الأكاديمية التي تتبلور فيها السياسات التي تقوم عليها فرنسا كأفكار علمية ثم تجري عليها عمليات التطوير بما يجعلها قابلة للتطبيق ويستفيد منها المجتمع. * بأي أسلوب تري أنه يمكن أن تقارب هذا التصور؟ ** هناك عدد من الاجراءات اللازمة لتفعيل دور المجالس علي رأسها أن يتم الزام الوزراء والقيادات التنفيذية كل في تخصصه علي حضور جلسات شعب المجالس وليس حضور جلسات المجالس كما هوالوضع القائم, فالشعب هي المطبخ الذي تتم فيه المناقشات وتطرح الرؤي والاقتراحات وتتبلور فيها كافة أفكار الدراسات التي تتبلور في الشعب ثم ترفع تقريرها النهائي للمجالس لإضافة اللمسات النهائية وبالتالي حضور اجتماعات الشعب أهم بكثير مما يحدث في المجالس الآن كما أن حضور اجتماعات الشعب سيمكن كافة العلماء والمتخصصين من الاحتكاك بواقع الوزارات والجهات التنفيذية المختلفة حتي لا تصدر المجالس تقارير أفلاطونية تكون منفصلة تماما عن الواقع المعيش. * هناك من يري أن من أهم اجراءات تفعيل دور المجالس جعل التقارير الصادرة عنها التي تحمل توصيات ونتائج موضع الزام...كيف تري ذلك؟ ** الحديث حول جعل التقارير الصادرة عن المجالس تقارير لها صفة الالزام سيدخل المجالس في دوامة هي في غني عنها حيث إن هذا الالزام يستتبعه أن تقوم المجالس بمهمة متابعة التنفيذ وهذا سيضيف اليها مهام تنفيذية ستمثل عبئا علي المجالس وتضيف لها دورا إلي أدوارها المتعددة وبذلك ستنصرف عن مهمتها الأساسية كفضاء فكري مفتوح. * هل بذلك يمكن اعتبار المجالس القومية المتخصصة في مصر بمثابة مركز تفكير بالشكل والدور الموجود في العديد من دول العالم؟ ** بلا شك; فالمجالس مركز فكري مفتوح يعتمد علي طرح آراء وخبرات وأفكار. * ماذا عمن يري أنه يمكن أن تقوم الجامعات ومراكز البحوث بالدور الذي تقوم به المجالس ومن ثم ينبغي الغاؤها؟ ** هذا طرح يمكن الرد عليه بما ذكرته في السؤال السابق فالمجالس مركز فكر أوthinktank لطرح الاراء والافكار والخبرات ووضع الخطط المستقبلية في كافة المجالات أما الجامعة أوالمركز البحثي فهومكان لدراسة الواقع استنادا الي أساس علمي وفق قوانين ونظريات وغيرها وبالتالي هناك فرق شاسع بين النوعين وان تكاملت الأدوار. * ولكن ألا تري أن هذا الالزام قد يفعل دور المجالس خاصة وأن أبرز العقبات التي واجهتها اهمال ما تصدره من تقارير ودراسات؟ ** من الممكن تطبيق هذا الالزام بأسلوب مختلف من خلال أن يتم الزام الجهات التنفيذية باعداد تقارير للمتابعة بالنسبة للتوصيات والنتائج التي تخرج بها دراسات المجالس كل في تخصصه من خلال بيان ما أخذت به وما لم تأخذ به وبيان أسباب ذلك ورفعها سنويا إلي المجالس بالاضافة الي الزامها بحضور جلسات شعب المجالس للاشتراك في مناقشة الأفكار منذ بدء طرحها وحتي بلورتها في شكلها النهائي. * ماذا عن إطار النهوض بالاقتصاد القومي الذي تعكف المجالس المتخصصة علي اعداده حاليا؟ ** يقدم هذا الإطار تصورا لعدد من الاجراءات التي يمكن أن تصل بمصر في مستقبل قريب إلي مستوي اقتصادي ينعكس علي المواطن المصري وعلي المجتمع ككل خاصة وأن أحداث ثورة يناير القت باعباء اضافية علي الاقتصاد المصري التي لابد من تكثيف الجهود لتحملها والتغلب علي سلبياتها خلال فترة قصيرة ان امكن. * وكيف يمكن ذلك؟ ** بعيدا عن الأيدولوجيات والمسميات والشعارات ومع عودة بزوغ شمس الاقتصاد السياسي فانه من الضروري التأكيد علي عدد من الأساسيات في مجال تنمية المجتمعات ومنها أنه تتم التنمية ويتحدد مستواها بفعل البشر ومن أجل البشر وهوالأمر الذي يتم التعبير عنه عبر عدد من المحاور تشمل:البعد الانساني للتطبيقات الاقتصادية والشراكة بين القطاعين العام والخاص بدلا من تعبيرات عفا عليها الزمن وفي مقدمتها التأميم والخصخصة, واذا ما وعينا بالدعوة الملحة التي تتردد في عالمنا اليوم ومنها العولمة والتحرر الاقتصادي فلابد من أن نلتزم في مسيرتنا بأمرين حيويين وهما ألا تتعارض هذه الدعوة مع مفهوم الانتماء الوطني وأن يكون تعاملنا مع العولمة ملتزما بتحقيق المصالح الوطنية من ناحية والتوصل إلي أكبر عائد ممكن للمجتمع المصري وللمواطن المصري من ناحية أخري. * بمناسبة ذكرك للخصخصة...ما تقييمك لتجربة الخصخة في مصر؟ ** ماكانش لازم أصلا تبتدي الخصخصة في مصرمن أيام عاطف عبيد فالخصخصة بدأت في مصر بشكل خاطئ وطبقت كذلك بأسلوب خاطئ لكن لابد ألا نبكي علي اللبن المسكوب نحن في سباق مع الزمن وبالتالي لابد أن ننظر الي سبل النهوض بمصر وبناء مستقبلها خاصة وأن المعرفة الانسانية كانت تتضاعف كل50 سنة ثم كل10 سنوات والآن تتضاعف المعرفة كل عامين وبالتالي لابد من استثمار الوقت. * باطلاعنا معك علي تفاصيل هذا الإطار نجد أنه يقوم أساسا علي التنمية البشرية...هل لك أن توضح ذلك؟ ** في غياب المطلق في عالم الاقتصاد فلابد أن يتم الالتزام بمبدأ أن التنمية هي فن إدارة الموارد وأن نجاح هذا المبدأ يتطلب التوصل الي أمثل انتاجية وأمثل انتاج وأمثل عدالة في التوزيع ولما كان هذا كله يتوقف علي البشر وقدراته فان التنمية تنطلق من قدرتنا علي تنمية هذا البشر اعدادا وتأهيلا وتدريبا وعملا وكل هذا يتم بأيدي أبناء مصر. * وهل لدينا من الموارد ما يكفي حتي نراهن عليها؟ ** أؤكد أن مصر لا تعاني فقرا في الموارد علي الإطلاق ولكن تعاني من أزمة حقيقية تتمثل في سوء إدارة تلك الموارد خاصة في المياه والأراضي الزراعية والثروة المعدنية وأدوات الصناعة والموارد البشرية وهنا أود أن أشير إلي أن30% من الانتاج الزراعي في مصر فاقد انتاج. * كيف يمكن لنا أن نحقق التنمية الشاملة وفقا للإطار الموضوع؟ ** بوابتنا الوحيدة للتنمية الشاملة والمستدامة بآفاقها الواسعة يتمثل في الانتاج كما وكيفا وحتي يتحقق ذلك لابد من الأخذ بالبعدين القطاعي والجغرافي والارتقاء المتوالي بالقدرة التنافسية للانتاج المصري سلع وخدمات- محليا واقليميا ودوليا واستغلال ما يوفره تقدم الاتصالات في اطار العولمة للحصول علي احدث التكنولوجيا والأساليب العلمية لاستثمار الموارد والمطلوب أن نبدأ من حيث انتهت التجارب الناجحة للآخرين وهذا يتطلب في جانب منه- الخروج علي التوقيتات التقليدية المدي القصير والمتوسط والطويل- وتجنيد كافة الامكانات المادية والبشرية بما يضمن الابتعاد عن احتمالات حدوث فاقد في الانتاج أوتعطل بعض الطاقات الانتاجية وهي أمور تتزايد منها الشكوي حاليا خاصة في قطاعي الزراعة والصناعة. * ماهي منطلقات تحقيق ذلك؟ ** وفقا للإطار الموضوع; فلابد وأن تكون هناك أولوية مطلقة للتوجه نحوتحسين توزيع الدخل مع احداث توازن بين متطلبات الأجيال المتعاقبة وهذا يتطلب توجيه عناية خاصة لعدد من التحديات منها الزيادة السكانية والنظرة الحالية لها بأنها أصبحت عبئا علي ثمار التنمية الا أن الواجب دعم النظرة التي تستهدف التحول بالزيادة الي اضافة نستثمرها في مزيد من التنمية ويستلزم هذا اعطاء اولوية لتطوير التعليم بهدف أن تصبح مخرجاته قادرة علي الوفاء بمتطلبات التنمية من العمالة الفنية المدربة القادرة علي المنافسة خاصة وأن هناك الكثير من المؤشرات التي توضح أن العمالة الفنية المدربة سيكون لها سوق رائجة في كثير من مناطق العالم المتقدم والنامي علي حد سواء. * في هذا الاطار نري أنه يمكن الاستفادة من الزيادة السكانية وتحويلها من عبء إلي منفعة.. كيف ذلك؟ ** التوزيع الجغرافي للسكان والذي يبدوواضحا في الكثافة السكانية العالية والمعوقة في الوادي والدلتا يتطلب توجيه عناية كبيرة إلي جهود تنمية المناطق النائية وفي مقدمتها سيناء ومناطق الواحات في غرب وادي النيل بما في ذلك ممر التنمية الذي ينادي به العالم المصري د.فاروق الباز; فضلا عن تحد آخر وهوازدياد نسبة الشباب ممن تحت سن25 سنة الأمر الذي يستوجب توفير البيئة المناسبة لتنمية وعي وقدرة هذا الشباب في إطار المواطنة تأكيدا لحقوقهم وواجباتهم والتزاما منا بضرورة اشراكهم في البناء ودعما لقدراتهم علي تحمل مسئوليات المستقبل ويدخل في هذا العديد من الأنشطة التي يجب الاهتمام بها وفي مقدمتها الرياضة ومراكز الشباب والعمل التطوعي ورحلات التعرف علي مصر وأنشطة المعرفة والتعارف وأود الاشارة الي أن هناك عددا كبيرا من الدول عدد سكانها ومعدل زيادته يفوق مصر بكثير وسبقتنا في التقدم بمراحل ومراحل. كما أن الزيادة السكانية لا تمثل مشكلة اذا نظرنا الي سوق العمالة الخارجية وأبرزها القارة الافريقية بدولها التي تعد سوقا ضخمة وواعدة للعمالة وبالتالي لابد من تغيير النظرة بالنسبة لتصدير العمالة المصرية فلا نصدر الفائض من العمالة ولكن نكسب الشباب المهارات والمواصفات التي تطلبها أسواق العمل ومن هنا لابد من الاهتمام بالتعليم في كافة مراحله لانه إذا أحسنا التعليم سنحسن بلا شك ادارة الموارد البشرية وسيكون البشر صالحين للعمل في الداخل والخارج. * ما هو موقع الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر في خريطة الاستفادة بالشباب المصري؟ ** لابد من الالتفات لهذا المجال وأشير هنا إلي الصندوق الاجتماعي للتنمية; مع احترامي لهاني سيف النصر رئيس الصندوق الا أنه لايدخل حتي في حساباتي ضمن الارقام فدوره من قيامه وحتي الان يساوي صفرا ولم يحقق الهدف منه ولابد من اعادة النظر في دوره مع التغيير الذي تشهده مصر. * وماذا عن الربط بين توزيع الدخل وتنمية الشباب التي تتحدث عنها؟ ** يرتبط بعدالة توزيع الدخل وتنمية الشباب عدد من المشكلات التي تتطلب مواجهة فورية لفتح بوابة الانطلاق الفعلي نحوتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة ومنها مشكلة البطالة والتي يمكن مواجهتها من خلال تنمية كفاءة العمالة من ناحية ومن خلال الاستثمارات المتزايدة من ناحية أخري ولابد هنا من التأكيد علي أهمية توجيه رعاية أكبر للتوجه نحوفتح المجالات المختلفة أمام الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر ليس فقط لأهميتها في ايجاد فرص عمل متزايدة ولكن أيضا لأنها وسيلة فعالة لتحويل قدر كبير من السوق غير المنظمة إلي موقعها الفعال في القطاع المنظم بكل ما يترتب علي هذا من أبعاد. فضلا عن مشكلة تدني الدخول بالنسبة لتكاليف المعيشة وذلك بالنسبة لعدد قد تزيد نسبته علي40% من المواطنين خاصة وأن معدل التضخم المرتفع بالنسبة للسلع الغذائية يزيد من تعقيد المشكلة ويخل بالتوازن المطلوب بين الدخول وتكاليف المعيشة ولهذا فإن التعرض لهذه المشكلة يتطلب النظر بعمق في عدد من الأمور: جداول المرتبات والأجور والمعاشات, ضريبة الدخل, الدعم ووصوله لمستحقيه, نوعية عدد من الخدمات المجانية وفي مقدمتها التعليم والتأمين الصحي والعلاج علي نفقة الدولة, رقابة السوق وحماية المستهلك حتي لوتطلب ذلك وقف زيادة الأسعار لفترة محددة, بالإضافة إلي منع الاحتكار خاصة بالنسبة للاستيراد. * قرأنا كثيرا عن استعداد العديد من الدول- العربية أوالأجنبية- لدعم مصر لتستعيد عافيتها اقتصاديا...كيف يمكن أن يتم هذا الدعم من وجهة نظرك؟ ** أخص بالذكر هنا للدول العربية, وأقولها بكل وضوح علي الدول العربية أن تخصص فورا100 مليار دولار للاستثمار في مصر خاصة دول الخليج العربي أجمعها فمصر لطالما أعطت وساعدت والأحداث الشاهدة علي ذلك كثيرة وأقول لهم استثمروا في مصر فالشجرة يانعة وستجنون ثمارا غالية.