أسدل الستار علي اختفاء ميليس زيناوي رئيس وزراء إثيوبيا- طيلة أشهر بإعلان وفاته أمس بعد صراع طويل مع المرض باحد مستشفيات بروكسل. ولد زيناوي لعائلة من الطبقة المتوسطة في مدينة أداوا في المرتفعات الشمالية لإثيوبيا, وترك دراسته الجامعية كي ينضم إلي المتمردين علي الحكم الشيوعي في إثيوبيا, وبعد أن تمكن المتمردون من الإطاحة بحكم منجيستو هيلا مريم عام1991 أصبح ميليس رئيسا في ظل حكومة مؤقتة, ثم رئيسا للوزراء عام1995, وبقي الشخصية الأكثر تأثيرا في الحياة العامة في إثيوبيا حتي وفاته و أصبح الحاكم الفعلي لإثيوبيا منذ ذلك التاريخ. يحسب لزيناوي أنه أجري العديد من الإصلاحات السياسية وأدخل تعديلات غيرت نظام الحكم في إثيوبيا من النظام الرئاسي إلي النظام البرلماني إلا أنه أحكم قبضته علي إثيوبيا, واستمر علي رأس النظام السياسي أكثر من20 عاما و قام بوضع مادة في الدستور تنص علي تحصين منصب رئيس الوزراء من الإقالة. واجه زيناوي العديد من التحديات لحكمه خاصة بعد انفصال إريتريا واتهامه بالتهاون تجاه ذلك, وخاصة بعد اندلاع الحرب الحدودية التي أعقبت الانفصال, والتي انتصرت فيها إثيوبيا ولكن بعد أن تكبدت ثمنا فادحا, لكن زيناوي استطاع تحجيم معارضيه داخل الحزب وخرج منتصرا. وفي سعيه لأن يثبت دعائم حكمه في إثيوبيا; انفتح زيناوي علي القوي الكبري وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية, بهدف تحويل بلاده إلي قوة إقليمية في المنطقة مستغلا في ذلك الحرب علي الإرهاب والجماعات المسلحة فقام بتحريك جيشه داخل الأراضي الصومالية للمرة الأولي عام2006, بهدف القضاء علي حركة الشباب المتشددة, فيما اعتبر وقتها أكبر خطوة وثقت علاقات إثيوبيا بالغرب منذ الإطاحة بمنجستو هيلا ميريم. وفي عام2011 قامت القوات الإثيوبية بدخول الصومال للمرة الثانية بدعم أمريكي أوروبي, وأكد زيناوي أن بلاده تعتزم الإبقاء علي قواتها في الصومال لحين التصديق علي دستور جديد للبلاد, و يصبح جيشها قادرا علي مواجهة خطر المتشددين. وتجدر الإشارة إلي علاقات زيناوي الوثيقة مع إسرائيل لتتحول أديس أبابا إلي واحدة من أقوي قواعد الموساد في إفريقيا ومعبر تل أبيب القوي للتغلغل في غرب ووسط القارة الإفريقية, تحت ستار تصدير تكنولوجيا الري والزراعة التي تتفوق فيها إسرائيل إلي قارة إفريقيا. وبالرغم من الانتقادات الشديدة التي وجهت إلي زيناوي, تحسب له القفزة الكبيرة التي شهدها الاقتصاد الإثيوبي خلال سنوات حكمه لكن سمعة زيناوي كوجه النهضة الإفريقية الجديدة بدأت تخبو بسبب ازدياد القمع داخل إثيوبيا, حيث بدا قمع المعارضة يشتد, واستخدمت قوانين خاصة بمكافحة الإرهاب ضد الصحفيين والمدونين ومنتقدي الحكومة, وحاولت الحكومة فرض رقابة علي خطب المساجد, مما أثار احتجاجات المسلمين. وقد ارتبط اسم زيناوي مع مصر للمرة الأولي عام1994 بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس السابق حسني مبارك علي الأراضي الإثيوبية, وزاد هذا الارتباط في السنوات الأخيرة بسبب إصراره علي منازعة مصر في حصتها التاريخية بمياه النيل, وعدم اعترافه باتفاقية نهر النيل الموقعة عام1959 التي تحدد حصص كل دولة من دول حوض النيل في مياه النهر. و بوفاة زيناوي الذي لقبه الكثيرون من خبراء المياه بمهندس أزمة مياه النيل مع مصر تعود الاتفاقية الإطارية لمياه النيل و سد النهضة الاثيوبي إلي الضوء مرة أخري ويصبح ملف مياه النيل بحاجة إلي إعادة قراءة خاصة من حيث حقوق مصر التاريخية في مياه النيل و مدي تأثرها من بناء السدود الاثيوبية و مستقبل ذلك في ظل وفاة زيناوي من جهة و تغير المشهد السياسي المصري و وجود أول رئيس منتخب علي سدة الحكم. من جانبه, قال د. محمد نصر الدين علام وزير الري الأسبق و الخبير في ملف مياه النيل- إنه قبل أو بعد وفاة زيناوي لا يمكن لأي اتفاقية أن تتمتع بالصلاحية طالما أن دولتي المصب السودان و مصر- لم توقعا عليها لكن إثيوبيا استغلت الظروف الاستثنائية التي مرت بها مصر عقب ثورة25 يناير و حالة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد في تمرير الاتفاقية و الشروع في بناء سد النهضة الاثيوبي; فالأزمة هنا ليست في الاتفاقية ذاتها و لكن في السدود التي تنتوي بناءها في الفترة المقبلة. و أشار إلي أن زيناوي تعمد استغلال الأوضاع غير المستقرة في مصر و قام بوضع حجر الأساس لسد النهضة الاثيوبي في أبريل من العام الماضي و هو سد عملاق تكلف ما يجاوز72 مليار جنيه و مع الأزمة التي احتدمت جراء الشروع في بناء هذا السد تم تشكيل لجنة ثلاثية شكلية لم تسفر إلا عن الاستمرار في بناء هذا السد من قبل الشركة الايطالية المنفذة رغم تأثيراته السلبية الشديدة علي مصر.و توقع علام حدوث انفراجة في ملف مياه النيل بوفاة زيناوي خاصة وأن شخصية زيناوي اتسمت بالقمع في أثيوبيا و كانت قبضته حديدية علي المعارضة. و أكد أن القيادة الجديدة لمصر لابد أن تتعامل منذ هذه اللحظة بشكل مختلف في هذا الملف و أن تستمر في المطالبة بحقوقها و استغلال ما يقره القانون الدولي. فيما قال د.ضياء القوصي مستشار وزير الري الأسبق- أن زيناوي شخصية كانت تنتمي لقبيلة صغيرة بأديس أبابا و كانت تحيط بها6 قبائل أخري أكبر منها و تتمتع بالنفوذ و بالتالي فإن حكم زيناوي لم يعتمد علي الدعم القبلي و لكن اعتمد علي الحس الوطني و تصدير صورة إلي الشعب الاثيوبي و الافريقي بأن مصر دولة الاحتلال العظمي التي سيقوم بانتزاع حقوق الافريقيين من مياه النيل منها. وأكد الدكتور محمود أبو العينين عميد معهد البحوث و الدراسات الافريقية بجامعة القاهرة أن الوقت الحالي هو وقت التفكير في تعميق العلاقات المشتركة بين مصر و أثيوبيا في ضوء العلاقات التاريخية بينهما و المشاركة في جنازة زيناوي مشاركة مشرفة لمصر من خلال المشاركة الرسمية و تكثيف ارسال الوفود الشعبية لاستعادة العلاقات الطيبة خاصة و أن حادث اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في أديس أبابا أرخ لتدهور العلاقات بين البلدين بشكل كبير و برحيل زيناوي الذي كان شاهدا علي ذلك الحادث فإن الفرصة متاحة لبدء علاقات جديدة تماما وأصبح البلدان في تحرر كامل من أي رواسب قديمة و لابد من النظر للأمام.