لا يملك سكان رملة بولاق من حطام الدنيا سوي بيوت فقيرة متهالكة بجدران أربعة, يحتمون بها في مواجهة مجتمع مخملي لا يرحم, علي بعد خطوات, وربما يكفي ذلك لأن يكون وحده سببا في أن يدافع هؤلاء البسطاء عن هذه الجدران, مهما يكلفهم ذلك من تضحيات. لا يصلح التعامل الأمني وحده باعتباره الحل الأمثل للتعاطي مع قضية اجتماعية بامتياز, مثل قضية حكر رملة بولاق, ذلك اننا لو سلمنا بذلك لتحولنا إلي نعامة, لا تفعل سوي أن تدفن رأسها في الرمال حتي لا تري الخطر القادم, بينما جسدها كله قابل للافتراس والقنص. ويخطيء كثير من وسائل إعلامنا المقررة والمسموعة والمرئية, علي حد سواء, تلك التي سعت وبقوة في واحدة من نوبات الفشل المهني, في تصوير ما جري في منطقة الأبراج الشهيرة قبل أيام, علي أنه هجوم من قبل عدد من البلطجية, علي أحد الفنادق المطلة علي النيل, لأن صاحب الفندق رفض أن يدفع الإتاوة الشهرية لزعيم إحدي الميلشيات المسلحة بالمنطقة, فغاية علمي أن مصر لم تتحول بعد. أو واحدة من ديكتاتوريات جمهوريات الموز, التي لا صوت يعلو فيها علي صوت الميليشيات والسلاح. ويحار المرء كثيرا عندما يقرأ ما يتناقله العديد من وسائل الإعلام المحلية, من حكايات هي أقرب للأسطورة, عن بلطجية عتاة في الإجرام من سكان الرملة, وكيف توغل بعض الصحف في إلصاق هذا الوصف البغيض بسكانها, فقط لأنهم فقراء ومستضعفون, لا يملكون القدرة علي دفع مثل هذا الاتهام الخطير عن أنفسهم, ويحار أكثر عندما يتذكر كيف كان كثير من هذه الصحف يشيد, حتي وقت قريب جدا, بالدور الكبير الذي لعبه شباب المناطق العشوائية, في حماية ميدان التحرير وباقي ميادين الحرية في بواكير الثورة, حتي إذا ما انتهت السكرة وجاءت الفكرة, حولتهم إلي بلطجية ومجرمين, بينما البلطجي الحقيقي يقف علي بعد خطوات من الحادثة التي جرت, لا يخرج لسانه للقانون فحسب, وإنما لكل الأعراف الاجتماعية والإنسانية. مند سنوات وقضية سكان رملة بولاق تتصاعد علي نحو ينذر بخطر شديد, بينما جميع الجهات المعنية في الدولة, وفي مقدمتها محافظة القاهرة تصنع أذنا من طين وأخري من عجين, بل وشارك بما تكشف عنه مستندات, وقع بعضها تحت يدي وسوف أطرحها لاحقا, في محاولات مستمرة لتهجير سكان هذه المنطقة عن بيوتهم الفقيرة, من دون أن تطرح هذه الجهات حلولا منطقية لعملية التهجير القسري, بعدما تحولت مساحة الأرض التي يقيمون عليها منذ عقود, إلي مطمع كبير لصاحب الأبراج الشهيرة, حيث صار وجود هؤلاء الفقراء في المشهد الخلفي لأبراجه, سببا كافيا لدفعهم إلي الهرب من المنطقة, بعد إحالة حياتهم البسيطة الهادئة إلي جحيم لا يطاق. لا يملك سكان رملة بولاق من حطام الدنيا سوي بيوت فقيرة متهالكة بجدران أربعة, يحتمون بها في مواجهة مجتمع مخملي لا يرحم, علي بعد خطوات, وربما يكفي ذلك لأن يكون وحده سببا في أن يدافع هؤلاء البسطاء عن هذه الجدران, مهما يكلفهم ذلك من تضحيات. إنها غضبة العشوائيات تلوح في الأفق, وما شهده كورنيش النيل خلال الأيام الماضية لم يكن سوي بروفة لما قد يحدث في أي وقت, عندما تذهب الوعود هباء, وتنفلت الأعصاب, وساعتها لن يستطيع أحد أن يمنع هؤلاء الذين حموا الميادين في الأيام العصيبة لثورة رفعت شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية, من احتلالها من جديد. [email protected]