تعلمنا في الكتب المدرسية, ونحن صغار, أن أجدادنا اعتادوا التحدث بالفصحي, من غير أخطاء لغوية, وأنه لم تكن هناك قواعد مكتوبة لهذه اللغة, إلا في مراحل لاحقة, بعد بزوغ رسالة الإسلام. وتمدد الفتوحات العربية, إلي مناطق شاسعة من الأرض, شملت شعوبا من غير الناطقين بلغة الضاد. وقد أشار الصحابي الجليل عبدالله بن عباس, إلي علاقة القرآن الكريم بالشعر العربي فقال: إذا قرأتم من كتاب الله شيئا فلم تعرفوه فاطلبوه في أشعار العرب, فإن الشعر ديوان العرب, أما الشيخ محمد رشيد رضا فيؤكد: أن معرفة العربية من ضروريات دين الإسلام, ويشاطره العلامة ابن خلدون بالقول: إن القرآن نزل بلغة العرب, وعلي أساليب بلاغتهم, فكلهم يفهمونه ويعلمون ما في مفرداته وتراكيبه. فمثلا حين احتل الفرنسيون الجزائر, عملوا علي طمس هويتها الوطنية, من خلال التعرض لعنصري مقاومته, الدين واللغة. لقد أدركوا استحالة ترويض الشعب الجزائري وإخضاعه, ما لم يتخل الشعب عن هويته الوطنية, وهكذا عملوا علي محاربة الدين الإسلامي واللغة العربية في آن معا, وكان للدين الحنيف الدور الأساسي في حماية اللغة العربية من الانقراض. ما يدفعنا إلي طرح هذه القضية, هو الوضع المأساوي الذي تعيشه لغتنا الجميلة, فبالكاد لا تجد إلا نسبة ضئيلة من المثقفين تتقن اللغة العربية قولا وكتابة, وقد بلغت عدوي التخريب لهذه اللغة القنوات التليفزيونية, حيث يجري استخدام اللهجات المحلية في كثير من القنوات العربية, بديلا عن الفصحي. أما الذين يلقون خطاباتهم بالفصحي فأخطاؤهم لا تحصي, فهذا مرشح للرئاسة يتعمد رفع المجرور من باب التفخيم, ونصب الفاعل من باب التواضع, هذا عدا تعمد كثير من المثقفين الخلط بين العربية واللغات الأجنبية, اعتمادا علي الموروث الاستعماري, فالمناطق التي استعمرها الفرنسيون يخلط مثقفوها بين الفرنسية والعربية, وحيث استعمر الإنجليز تجد المثقفين يبرزون مهاراتهم في الخلط بين العربية والإنجليزية, وفي بعض المناطق تتداخل الفرنسية والإنجليزية والعربية, في خليط نشاز, لكنه محبب للأسف لكثير من مثقفينا. وتبلغ الصورة المزرية قمتها, عند بعض خطباء المساجد, ومن ضمنها خطب الجمعة, حيث يصل الأمر في بيوت الله إلي حد الخلط المتعمد بين العامية والفصحي, أما الأخطاء فحدث ولا حرج, أولم يحن الوقت بعد لتقييم ما جري, ومعرفة أسبابه لنعيد الاعتبار مجددا للغتنا الجميلة؟ [email protected]