التركيز في الحديث عن الحكومة الجديدة التي ينتظر تشكيلها خلال أيام له ما يبرره تماما في ضوء المهام الجسيمة التي تنتظرها والظروف الإستثنائية التي تجعل منها وبحق حكومة إنقاذ مع تحمل مسئولية وضع أسس النهضة التي ننشدها جميعا قد يكون من الضروري الإشارة إلي طبيعة ومهمة الحكومات التي أعقبت ثورة يوليو عام52 حيث كان عليها إعادة صياغة مفاهيم العمل التنفيذي بعيدا عما كان سائدا أيام الملكية والإحتلال المباشر للإستعمار القديم ولذلك رأينا وزراء أعادوا هيكلة وزاراتهم بما يتفق مع أهداف الثورة المعلنة في ذلك الوقت وإتخذوا من القرارات والمبادرات الجريئة ما يحقق أهدافهم وكان لهم ذلك خاصة في السنوات الاولي لثورة يوليو التي شهدت تغييرا جذريا في الكثير من نواحي الحياة المصرية قبل أن تنزلق البلاد إلي الحروب والعصر الإشتراكي الذي أعطي جرعات متساوية للمصريين من الفقر وسوء التخطيط باستثناء الشريحة الحاكمة والبطانة المحيطة بها. هذا الحديث الذي نستذكره يفيدنا فقط في طبيعة الظروف الإستثنائية التي تعقب ثورة يناير والتي جاءت هي الأخري بسبب تفشي الفساد واستنزاف ثروات الوطن علي أيدي النظام السابق وبالتالي نكون هذه المرة أيضا في حاجة إلي حكومة قوية ليس فقط برئيس وزرائها وإنما بوزراء فوق العادة لهم من الرؤي والخبرات الكفيلة لمعالجة الأوضاع بطريقة جذرية تستلزم في كثير من الأحيان جراحات عاجلة ومؤلمة, بصراحة أكثر نقول نحن هنا لا نتحدث عن عمليات ترميم أو تجميل وإنما عن أعادة بناء شامل ورفع أنقاض سياسات فاشلة أوصلت الخدمات الأساسية إلي مستويات لا تنفع فيها وسائل العلاج المعروفة و إنما تتطلب خطوات إستثنائية قد تصيب الرأي العام بالصدمة في أول الأمر ولكنها في النهاية تضع مصر علي المسار الصحيح. نحن هنا نتحدث عن التعليم والصحة والزراعة والصناعة والتجارة الداخلية وسبل نشر التنمية في كافة ربوع مصر دون التركيز علي المدن الرئيسية التي باتت في حالة يرثي لها من الكثافة السكانية ونسب التلوث العالية التي تهدد سكانها من ما يعطي الاولوية لإحياء المناطق الجديدة والصحراوية من خلال خطط مدروسة تعتمد علي تأمين المرافق الأساسية و الخدمات الضرورية وخاصة وسائل المواصلات التي هي ألف باء التنمية ونفتقدها في الغالبية العظمي للوصول للمدن الجديدة, ولعلنا نعيد إلي الأذهان صمت كافة المسئولين في الدولة عن فكرة توصيل المترو السطحي للمدن الجديدة بعد أن رفض رئيس النظام السابق الفكرة جملة وتفصيلا دون نقاش!