لا أعتقد أن تشكيل حكومة جديدة فى هذه الأيام برئاسة الدكتور شرف أو غيره ستكون فارقة فى مستقبل مصر السياسى، كما لا أتصور أن بيت القصيد فى الخلاف بين المتظاهرين أو المعتصمين فى ميدان التحرير وبين النظام الانتقالى الحاكم هو تعيين وزير أو إقصاء آخر أو الاعتراض على اسم من أتباع النظام السابق أو المتعاونين معه، لا أظن ذلك وإلا كنا فى حالة عبثية يرثى لها. دعونا نسأل: ماذا ستفعل حكومة انتقالية يجرى تجميع وزرائها من هنا وهناك مع كل التوقير والاحترام لمن يقبل بهذه المهمة فى الوقت الحالى، ماذا يفعلون لتلبية المطالب الثورية: الحرية والكرامة والعدالة؟ الإجابة مقدما، لن يستطيعوا عمل أى شىء لسبب بسيط لأنه يوجد ما ينبغى فعله قبل إقرار الأوضاع الأساسية فى البلد وتشكيل حكومة منتخبة تكون مسئولة أمام الشعب، ومن سيقوم بمبادرة فردية من الوزراء أو من فى حكمهم لتحقيق برنامج خاص به سيجد مقاومة ورفضا من القوى الأخرى غير المشاركة معه، وسيكون مثل من يحرث فى البحر. المهم أن ننتبه إلى حقيقة ما يجرى على الأرض المصرية وسط حالة من الصراخ الدائم والأصوات العالية التى تنادى بمطالب متنوعة لا نستطيع حصرها ولا تصنيفها إلا أنها مطالب مشروعة ومنطقية من وجهة نظر أصحابها، فإذا تعمقنا فى المشهد سنجد أن وسط هذا الزحام الصوتى العالى تكمن فى خلفية المشهد قوى تعرف ماذا تريد وتحاول استغلال المشهد للضغط وتهيئة المسرح للمولود المقبل للثورة المصرية. نحن لا نعرف طبيعة ذلك المولود ولا نوعه، لكن ما نحن على يقين منه أن الثورة المصرية التى انفجرت فى 25 يناير الماضى ليست عاقرا، وإنما هى حبلى بنظام جديد لم تتم ولادته بعد.. الثورة المصرية يحيط بها الأتباع والمتربصون من كل جانب يتقاربون ويتباعدون ويتشاجرون ويتحدون تحت ظلال الثورة، لكن لا أحد منهم يعلم لمن ستنسب الثورة مولودها القادم فى الطريق. كنت أقول إن المنتسبين للثورة ليسوا سواء فمنهم من يخطط للمستقبل ويدرك أن للفترة الانتقالية أحكامها، ومنهم من يُضيع وقته فى الصراخ ويحاول إدراك السراب بالقفز فوق قواعد الزمان والمكان فيطالبون بتحقيق أهداف الثورة الآن وفورا، ولا شىء سيتحقق الآن وفورا، كما أن المصريين لن يسمحوا بأى تصعيد عشوائى يهدد بضرب أعمدة الدولة وأساسها مثل القوات المسلحة والقضاء، وبالتالى فإن الصيحات الغاضبة لن تصل إلى شىء، لكنها فى الوقت نفسه تعطى الفرصة والوقت للقوى الأخرى المدركة لحقيقة ما يمكن إدراكه فى الفترة الانتقالية وما لا يمكن إدراكه من المطالب. الحال الآن أن معظم الثوار من وجهة نظرى غافلون عن الصورة الكلية لأوضاع البلد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، غافلون عن المولود الجديد المنتظر من الثورة، ويركزون على مسائل فرعية قد يكون لها بريق الضجيج الإعلامى، لكن لن يكون لها تأثير فعَّال على المستقبل السياسى للفصائل السياسية الصاعدة، مثل المحاكمات وصحة الرئيس المخلوع ومطاردة الفلول أو الثروة الضائعة فى الخارج، فهل المقصود شغل الثوار واستنزاف طاقتهم بينما آخرون يعدون أوراقهم جيدا؟! الحقيقة أن القضايا محل الاهتمام الآن ليست هى القضايا المركزية، فالمذنبون سيدانون اليوم أو غدا لا فرق، والأموال التى سترجع لن ترجع بالمظاهرات وإنما بالإجراءات، والرئيس المخلوع سيموت اليوم أو غدا، وما الفرق، أنا شخصيا لا أرى فرقا بينه وبين أى مريض على فراش المرض، أما القضايا المركزية فيجرى ترتيب أوراقها بعيدا عن الإعلام ولا يتناولها المتحدثون بشكل جدى لأنها مملة ولا تجذب انتباه الجماهير. هنا أستطيع أن أطرح سؤالين محددين: الأول حول الانتخابات المقبلة فى أكتوبر أى بعد شهرين والتى ستحدد المستقبل السياسى إلى حد ما، متى سنبدأ بالحديث عن ظروفها وملابساتها وقواعدها وغير ذلك من القضايا؟ والثانى حول مستقبل العلاقة بين المجلس الأعلى العسكرى وبين المولود القادم للثورة، وهل سيكتفى بدور الوصى أو الضامن أو الأب الشرعى؟! قولوا لى من أين نبدأ؟!