أتت انتخابات الإعادة الرئاسية التي حتي الآن وحتي وقت كتابة هذا المقال لانعلم إلا مؤشراتها الأولية التي أفرزت العديد من المعطيات والمكتسبات التي تستحق منا الدراسة والتحليل والتأمل بغض النظر عن نتائجها النهائية, ظاهر تلك المؤشرات يقول بأن النزال حول طبيعة الدولة القادمة, قد جاء سجالا بين المدنية والدينية, يراه الدينيون انتصارا للدولة الدينية إذا ما أسفر عن فوزهم, ولكنه في حقيقة الأمر وان فازوا يعد هزيمة ساحقة للمشروع الديني ليس فقط في مصر وإنما في العالم العربي كله وما يتجاوزه إلي المحيط الإسلامي, فنحن إذا استبعدنا شبهات التزوير التي تشي بها العديد من المصادر ولم تنكرها المصادر الدينية أيضا وافترضنا المناصفة في النتائج فسوف نجدها تصب جميعها في صالح الدولة المدنية بامتياز, فالأصوات المدنية هي مدنية بالضرورة والعكس ليس صحيحا, فهناك من قام بالتصويت للدينيين نكاية في مرشح الدولة المدنية الذي يحسبه البعض علي النظام السابق, وهناك من صوت لهم باعتبارهم محسوبين علي الثورة في مقابل ما يرونه في الطرف الآخر من ثورة مضادة, وهناك من صوت لهم في صفقات سياسية معلنة, وهناك أيضا من قاطع الانتخابات أو من أبطل صوته وهم بطبيعة الحال مدنيون وإلا احتشدوا للدينيين, وهناك وهو الأهم من كل هؤلاء نسبة ساحقة من الأصوات المؤهلة انتخابيا تماثل أو تتعدي في حجمها النسبة التي صوتت بالفعل, وفي مجموع كل تلك الفئات والطوائف ما يمثل أغلبية كاسحة تميل في مزاجها العام إلي المدنية وتراها الإطار الأشمل الذي يسع الجميع بمن فيهم الدينيون.نحن إذن وبغض النظر عن النتيجة النهائية, أمام ظاهرة مدنية متنامية تعكس الطبيعة المدنية للشعب المصري في عمومه, وتؤكد بما لايدع مجالا للشك أن الأغلبية الدينية التي جاءت للبرلمان قد جاء بها عموم الشعب المصري بتفويض سياسي لا ديني, وهذا ما قد سبق وأن حذرنا الإسلاميين منه ومن الوقوع في فخ الاعتقاد بأن المصريين قد انتخبوهم علي اساس ديني, وقد جعلهم هذا الاعتقاد يفرطون في الترويج للدولة الدينية بمظاهرها التي رفضها المصريون في عمومهم في الجولة الأولي وفي جولة الإعادة أيضا وان فازوا وعاقبوهم عليه, ومن أهم المعطيات الأخري أو المكتسبات الواجب التنويه عليها هي سقوط مصطلح الفلولية سقوطا مبرما من المستحيل علي أي شخص يتمتع بقدر معقول من الاتزان العقلي أو السياسي استخدامه بعدها, وإلا كان يصم نصف المجتمع المصري به, اضافة إلي انه سوف يكون من حيث لا يدري يشكك في شرعية الثورة ذاتها. وسقوط الفلولية كظاهرة نعتية فاشية في طبيعتها يعتبر في حد ذاته نواة لرأب الصدع المجتمعي الذي أسس له وأججه بعض الانتهازيين الذين حولوا الثورة الي سوق كبيرة للمزايدة والتشفي والانتقام, تقول بعض الامثال اصنع لي سوقا وسوف اقوم بعدها بتوفير بضاعته, وبضاعة نخاسي الثورة تراوحت بين المزايدة بدماء الشهداء الطاهرة النقية الي ممارسة انماط العزل والاقصاء السياسي والاجتماعي بل والمهني الي الهجوم علي مؤسسات الدولة وركائزها ولم يخل كل هذا بطبيعة الحال من صفاقة وتطاول وتدني مستويات الخطاب, لقد فض سوق الثورة اذن وعادت الثورة بمكتسباتها الي الشعب الذي صنعها ولن يستطيع احد بعد الآن المزايدة بها او عليها واصبح الشعب صاحب الثورة وصاحب الشرعية هو صاحب الكلمة ايضا وكلمته واضحة للعيان ولكل ذي عين تري اذا ما ارادت ان تري وكلمة الشعب هي المدنية فعلا دائما ومناهضا لسطوة الاسلامييون اذا ما فازورا وفعلا وقولا يستوعب الاسلاميين اذا ما فاز المدنيون واظنه الاقرب الي الحدوث والله أعلم.