الذي جري في المعتقلات الإسرائيلية ضد الأسري الفلسطينيين, هو أحدث الوسائل لامتهان الكرامة الإنسانية!,لمصلحة العنصرية الصهيونية, المتعالية علي كل البشر, تحت أسطورة أنهم شعب الله المختار!, وأن العرب أشبه بالدواب التي خلقها الله لخدمتهم, هذا ماقاله عوفاديا يوسف المتطرف اليهودي, فالعقيدة الصهيونية سخرت كل طاقتها للامتهان كرامة كل من هو غير يهودي وعلي وجه الخصوص الكرامة العربية والفلسطينية. لقد امتهنت سلطات الاحتلال الأسري المحتجزين لديها, وجعلت من مقرات الاعتقال حقل تجارب لفهم النفسية الفلسطينية, ولك أن تتخيل حجم الجرائم التي ترتكب, بما يخالف جميع الأعراف والمواثيق الدولية,(حسب اتفاقيات جنيف الرابعة الموقعة1949 م) هذا هو المنطق الإجرامي الصهيوني الذي فاق القدرة علي التفكير الإنساني؟ لكن! الأسري الأبطال هم أكثر وأقدر من غيرهم علي تحمل المسئولية, فقارعوا سجانيهم بالإضراب عن الطعام, وفضلوا الموت علي الحياة, وفضلوا باختيارهم الفناء علي البقاء, وأماطوا اللثام عن انتهاكات سجانيهم للمواثيق الدولية التي تجرم تعذيب الأسري جسديا ونفسيا, إنهم خاضوا معركة المصير والكرامة العربية بالوكالة, تحت شعار( إن عشت فعش حرا أو مت كالأشجار وقوفا) في المعارك وبموجب قانون القوة والاستعلاء تكون الغلبة دائما للأقوياء, أما في الإضراب عن الطعام, فالمسألة تختلف كليا, إذ لايستطيع أحد أن يجبر شخصا قرر الامتناع عن تناول الطعام أن يأكل بالقوة, وعلي كل حال فإن معركة الأمعاء الخاوية تختلف قواعدها عن أي معارك أخري, حيث تبدأ بالإعداد المحكم لها والاستعداد المعنوي والإعلامي, والقانوني والسياسي المكثف والإضراب يختلف كليا عن الصوم لأن الصائم يجوع لفترة محددة ومعلومة, أما المضرب فهو إنسان قرر الكف عن تناول الطعام, ولا يعرف متي سيأكل وهو قرار صعب جدا!! استصعب مفكرو وعلماء النفس وضع تفسير له سوي تفسير واحد هو تفضيل إرادة الموت علي الحياة إنه بكل بساطة منطق الفدائي الذي يقرر أن يموت ليحيا الوطن. لقد سبق للأسري أن خاضوا العديد من الإضرابات عن الطعام لطالما تعرضوا للإهانات والسباب والإذلال بالإضافة الي الحرمان من زيارة ذويهم وقسوة المعاملة وسوء ظروف المكان والعزل الانفرادي, فقد أدركوا أنهم لن يحصلوا علي حقوقهم, إلا باستخدام أقصي درجات الضغط علي جلاديهم خاصة في ظل صمت دولي معيب حيث انتزعوا الكثير من الحقوق بسبب إضراباتهم العديدة والناجحة, وتمكنوا من تحسين ظروفهم المعيشية علي جميع الصعد,داخل المعتقلات, لكن الثمن كان باهظا حيث سقط العشرات منهم شهداء في سبيل تحقيق ذلك. ولقد استفاد الأسري من التجارب السابقة, وتحديدا تجربة الأسير المحرر خضر عدنان الذي أضرب أكثر من66 يوما وانتزع حكما قضائيا إسرائيليا بعدم تجديد اعتقاله الإداري حيث استخدمت إسرائيل الاعتقال الإداري ضد آلاف الفلسطينيين( ويتم الاعتقال الإداري أو تمديد الاعتقال بدون حكم قضائي وبدون لائحة اتهام, وهو مخالف لكل المعايير القضائية الدولية وحقوق الانسان إن إصرار آلاف المعتقلين علي الإضراب عن الطعام منذ أسابيع ورفضهم كل المساومات التي قدمت لهم,لثنيهم عن فك الإضراب,وتجاوز إضراب بعضهم أكثر من76 يوما إنما يعكس دقة التنظيم والقدرة والإصرار علي المواجهة رغم أنها غير متكافئة لتنتصر الإرادة علي القوة والاستعلاء, ووسط إصرار الأسري علي الصمود, جاءت وساطة المخابرات المصرية بين الأسري وسجانيهم لإنهاء الإضراب عن الطعام مقابل تحقيق جميع مطالب الأسري, أهمها إنهاء العزل الانفرادي خلال72 ساعة, وكذلك عدم القيام بالاعتقال الإداري أو تجديده, بالإضافة الي السماح لذوي الأسري وأهلهم القدوم لزيارتهم من غزة أو الضفة وغيرها من المطالب التي لاحصر لها. ولطالما حقق الأسري نصرا قانونيا ومعنويا, فهم في كل الأحوال حققوا انتصارا سياسيا علي السجان, وقدموا نموذجا جديدا من نماذج مقاومة الاحتلال, ودرسا إسطوريا في الصمود