غيب الموت اثنين من أهم وأكبر الفلاسفة في مصر والاثنان فقدتهما جامعة القاهرة تباعا الاول هو الفيلسوف الدكتور عاطف العراقي راهب الفلسفة العقلية الباحث في عقل الانسان. والثاني هو الدكتور محمد عبد الفتاح القصاص فيلسوف البيئة أشهر من تخصص في علوم البيئة والنبات والصحاري علي مستوي العالم والذي قالت عنه اسرائيل ذات يوم لو عندنا مثل هذا الرجل لزرعت صحراء النقب كلها! الدكتور عاطف العراقي عاش راهبا في محراب العلم بمعني الكلمة فقد رفض الارتباط والزواج حتي لايعطله ذلك عن مسيرته وعلمه والتأمل في العقل البشري وسلوك الانسان وكان قدوته في ذلك هو الفيلسوف زكي نجيب محمود وفضل الاينشغل عن العلم والفلسفة حتي بالزواج وسارت حياته عشقا في ابن رشد فيلسوفا العرب وصارت له الكثير من المؤلفات عنه ونال العديد من الجوائز المحلية والعربية والعالمية. لم يكن العراقي فيلسوف محلقا في عالم آخر بعيدا عن واقعه. ويذكر أنه رفض فور تخرجه عام1970 في قسم الفلسفة بآداب القاهرة ان ينضم لمنظمة الشباب حتي لو كان مستقبله كمعيد بالكلية مهددا بهذا الانضمام من عدمه فقد رفض ان يعمل جاسوسا علي زملائه ويجتمع الراهبان العراقي والقصاص علي كراهية الحقبة الناصرية ورفض السد العالي الذي من وجهة نظرهما سبب كل الكوارث الصحية والبيئية التي لحقت بمصر حتي الان وعاش العراقي قدوة للاستاذية حتي وافته المنية وسط طلابه فهو نموذج للاستاذ والعالم العاشق والمحترم لعلمه ولطلابه ولمحرابه العلمي وتأتي خاتمته او قصة موته وكأنها لبطل اراد ان تنزل تترات نهايته وسط ابنائه الذين لم يكن يعطله عنهم حتي مرض الموت ففي يوم وفاته تحديدا اصيب بآلام شديدة في قلبه نقل علي أثرها لمستشفي القصر العيني الفرنساوي وهناك اكتشف الاطباء انها ذبحة صدرية واي تأخير او حركة زائدة معناها نهايته وبدأوا فعلا في خطوات العلاج لكنهم فوجئوا بمن قام وارتدي بدلته مقررا الخروج بلاتراجع للذهاب الي محاضرته لطلابه في معهد الدراسات الاسلامية فهو لم يعتد الاعتذار او الغياب عن تلامذته لاي سبب طيلة حياته وحاول معه الاطباء كثيرا من أجل أثنائه عن قرار الخروج لدرجة ان احد الاطباء قال له حرفا( أبوس رجلك يادكتور خروجك من هنا معناه موتك) لكنه لم يعبأ بكلامه وخرج وكأنه علي موعد مع القدر الذي كتب له ان يموت وسط طلابه واقفا ومحاضرا للعلم حتي آخر نفس في صدره فقد ظل يعطي ويعلم الاجيال بالفعل حتي آخر نبضة في حياته. ليضرب للجميع المثل والقدوة في كيف تكون الاستاذية والعطاء. وعاد مرة اخري الي المستشفي ميتا ليبقي بها يومين لا يجد من يتسلم جثمانه وأخوه الوحيد لم يكن موجودا بالقاهرة لتتولي أسرته الجامعية أمر تشييعه ودفنه ** ونأتي للراهب والفيلسوف الثاني العالم الكبير الدكتور القصاص الذي رحل بعده بأسابيع قليلة فقد ظل طيلة حياته يعمل ويكتشف ويبحث في البيئة حتي أصبح أشهر المتخصصين في هذا المجال في العالم عاش في هدوء ورحل في هدوء رغم أن اعماله وأراءه البحثية كانت كفيلة بقلب العالم رأسا علي عقب. وقف منددا بكثير من المخاطر البيئية المحيطة بنا ومنها غرق الدلتا والمشروع النووي.. وبسبب ابحاثه ودراساته العلمية حول السد العالي وقع في خلاف مع النظام الناصري كله. د.محمد عبدالفتاح القصاص من مواليد كفر الشيخ عام1921 وحصل علي شهادة الدكتوراة من جامعة كامبريدج سنة1951 وأسس مدرسة لبحوث البيئة الصحراوية والتي كان لها دور في التعريف بقضايا التصحر وتتلمذ علي يده مئات العلماء وشغل القصاص منصب المدير السابق لمكتب الأممالمتحدة للبيئة كما رأس الاتحاد الدولي لعلوم البيئة والذي يعد منظمة توازي منظمة الأممالمتحدة في مجالات البيئة. رحم الله العالمين الراهبين العراقي والقصاص واللذين جمعهما الموت في وقت متقارب كما جمعهما الاخلاص والتفاني في حياتهما ورغم سيرة ومسيرة العالمين الا أن حالة الصمت والاهمال من جانب جامعة القاهرة- وهي الجامعة التي تفخر بانهما ينتسبا لها طلابا واستاذية طيلة حياتهما مثيرة للدهشة فلم نجد من التكريم لهما ما يعرف االاجيال الجديدة بقيمة وقامة هذين الراحلين ووكأنهما شخصان عاديان في تاريخهما رغم ان الدكتور القصاص الذي رحل عن عمر يزيد علي التسعين عاما منهما70 سنة تقريبا بالجامعة والمعمل بكلية العلوم.