الكثير من الذين علقوا علي بياني جماعة الإخوان والمجلس الأعلي للقوات المسلحة الأخيرين, والمحملين بإشارات التوتر, انتهوا إلي أن التاريخ يعيد نفسه, وأن مصر تشهد الآن أولي الخطوات نحو صدام بين المجلس العسكري والاخوان كما كان الحال في العام1954, حين دخل مجلس قيادة ثورة23 يوليه بقيادة الرئيس عبد الناصر في صدام مفتوح مع الجماعة بعد اتهامها بمحاولة اغتيال عبد الناصر نفسه في ميدان المنشية بالاسكندرية. من جانبي أري أن هذا التشبيه ليس دقيقا, ويتجاهل الخلافات الجذرية بين الوضع الراهن وبين ما كان في1954, وأن من يقولون به يصورون الأمور علي هواهم دون سند من وقائع أو قرائن. وبداية ومن قبيل المقارنة السريعة نشير إلي حقيقتين; الأولي أن المجلس العسكري الذي يدير البلاد منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع مبارك جاء مصحوبا بثورة شعبية شاملة, كان هو العنصر الحاسم في حمايتها من نزق الرئيس المخلوع والنخبة التي أحاطت به, وبالتالي لم يأت بانقلاب قاده بعض الضباط ضد الحاكم كما حدث في يوليه52 والحقيقة الثانية أن جماعة الإخوان الآن تتحرك بكل حرية ودون قيود, وهي جزء من منظومة الحكم القائم, وهي للمرة الأولي في تاريخها تهيمن علي السلطة التشريعية بمجلسيه من خلال انتخابات لا يشكك فيها أحد, وتمت كما هو معروف تحت إدارة المجلس الأعلي للقوات المسلحة. وبالتالي فليس هناك وجه للمقارنة من حيث الملامح الكلية للبيئة السياسية, ولا من حيث الوضعية القانونية والدستورية لطرفي الخلاف. وبناء علي ذلك فالمسألة ليست استنساخا لمواجهة بين الإخوان والمجلس العسكري بهدف من يحكم ومن يسيطر كما كان في54 ؟ بل هي حالة صراع إرادات بين طرفين; أحدهما متمسك بنص الإعلان الدستوري وما فيه من حقوق رئاسية. والثاني يريد أن يوسع سلطاته ليضم إليها سلطة تنفيذية عبر تشكيل الحكومة والهيمنة علي أعمالها, وهو الأمر الذي يتعارض مع الإعلان الدستوري نفسه, فضلا عن كونه مؤشرا علي تطلع بالاستحواذ علي سلطة جديدة دون سند دستوري وفق مقاييس اللحظة الجارية. بالطبع من حق أية قوة سياسية أي تتطلع لتشكيل الحكومة, فهذه سمة المنافسة في ظل التعددية السياسية والآليات الديموقراطية, غير أن الحقوق لا تغتصب ولا تمارس ضد الدستور وضد القانون وضد المصلحة العامة. فالفترة المتبقية لحكومة الدكتور الجنزوري لا تتجاوز الأشهر الثلاثة, وما فيها من استحقاقات خاصة بوضع الدستور والانتخابات الرئاسية تجعلها فترة عصيبة في حد ذاتها, ناهيك عن التحديات الأخري أمنيا واقتصاديا وسياسيا. وإن كان هناك من يحرص علي أن تمر هذه المرحلة بأقل الأثمان الممكنة وأن تخرج بأفضل عائد سياسي ممكن يتمثل في انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة ودستور مقبول من عموم المصريين, فمن الأفضل أن تبقي حكومة الجنزوري حتي نهاية الفترة الانتقالية وعدم مطالبتها بأكثر مما تتحمله هذه الفترة من وقف التدهور العام ومنع تفاقم الأزمات الفئوية وتحسين الحالة الأمنية واستعادة متدرجة للثقة في الاقتصاد المصري. في هذا السياق من الاحتكاك حول رغبة جماعة الاخوان في تشكيل حكومة في هذا التوقيت تحديدا, تبدو العبارة الواردة في بيان المجلس العسكري والتي تحذر من الوقوع في أخطاء الماضي كعبارة حمالة أوجه. وبينما يراها البعض بمثابة تحذير مباشر من مواجهة علي غرار أزمة54, يمكن تفسيرها علي نحو مغاير تماما. واستنادا إلي طموح الأكثرية البرلمانية في تشكيل الحكومة وفي الهيمنة علي الجمعية التأسيسية لوضع الدستور كما حدث بالفعل, وأثار الكثير من الانتقادات والرفض من قوي المجتمع المدني والسياسي معا, نجد أنفسنا أمام سلوك يشبه كثيرا ما أقدم عليه الحزب الوطني المنحل في سنواته الأخيرة قبل ثورة25 يناير من حيث السعي الدءوب للاستئثار بكل شئ, وهو ما أدي في النهاية إلي الثورة والمحاكمات وسجن رموز النظام وانتهاء تاريخهم السياسي مجللا بالسواد والعار. وبالتالي فإن التحذير من الوقوع في أخطاء ماض لا يريده أحد يمكن تفسيره بأن المجلس العسكري يحذر من ثورة شعبية علي أي قوة سياسية تريد أن تستنسخ هيمنة الوطني المنحل مرة أخري في زمن ما بعد الثورة, وذلك علي عكس تطلع المصريين نحو توافق طبيعي علي كل ما يمس مصير الوطن مستقبلا عبر صياغة دستور يعبر عن الأمة ككل وليس عن تيار بذاته. وما يعزز مثل هذا التفسير يتجسد في كل ردود أفعال القوي السياسية خاصة المؤمنة بمدنية الدولة والتي رفضت الطريقة التي تشكلت بها الجمعية التأسيسية وما كشفته من نوايا كامنة للمغالبة وليست للمشاركة. لقد أصبح شائعا الآن أن جماعة الإخوان قد تخلت عن شعارها الشهير مشاركة لا مغالبة, وتخلت عن حذرها الذي أبدته في بداية الثورة, وغيرت من سياسة اليد الممدودة للجميع إلي الاكتفاء بتفاهم وتقارب وتنسيق مع حزبين علي الأكثر ينتميان إلي التيار ذاته. والأهم أنها لم تقرأ جيدا الرسائل التي أطلقتها القوي السياسية ضد الاخوان يوم الذكري السنوية الأولي لثورة25 يناير مطلع العام الجاري. وهي الرسائل التي حملت الادانة والغضب اكثر بكثير مما حملته عبارات المجلس العسكري في بيانه الأخير. وحين يدعو أحد قيادات حزب الجماعة إلي مراجعة المواقف والتعلم من الأخطاء التي عمقت الشكوك مع قوي الثورة, يصبح الأمر ملحا غير قابل للتجاهل أوالنسيان.