بل يمكن إذا ما وافق الإخوان المسلمون استخدام مقارهم إضافة إلي مقار جمعيات الشبان المسلمين ومراكز الشباب المنتشرة في عمق مصر بهدف تنمية الإبداع وإتاحته, تمخضت الثورة عن مجيء التيار الإسلامي بقوة وحصوله علي الأغلبية البرلمانية, وهم بصدد مناقشة وإصدار وثيقة عن الإبداع المصري, ويتوجس الكل خيفة من هذا فيما يتعلق بحرية الإبداع, وفي رأيي أنها ربما تكون فرصة تاريخية لهم لإعلان العكس لتغيير تلك الصورة النمطية المعروفة عنهم. إن المجتمع المصري كان دائما مجتمعا متعدد الأطياف الثقافية والقيم الاجتماعية, وهي فرصة لتأطير تلك التعددية بحيث لاتطغي ثقافة علي ثقافة أو قيمة اجتماعية علي أخري وذلك بإعلاء مبدأ من كل حسب ثقافته ولكل حسب ثقافته لقد أرسي بديع السماوات والأرض في الإسلام عنوانا وقولا كريما لمباديء تحرير العلاقة بين العبد وربه, وفي أحد معانيه التسليم لله وحده, وفي هذا ترسيخ لقيمة المسئولية الفردية والرقابة الذاتية علي مناحي الحياة كافة ومنها الإبداع. ومن الناحية الموضوعية فإن إطلاق حرية الإبداع دون قيود هو مطلب مجتمعي, بل إسلامي أيضا, لأن أبهي وأعظم عصور الحضارة الإسلامية كانت حيث أطلقت العقول الإبداعية في شتي المجالات, وعليه فإنه موضوعيا لايجب التدخل بأي شكل من الأشكال في الإبداع وترك كل مبدع لرقابته الذاتية ومسئوليته المجتمعية, ومن الناحية العملية يتسق هذا المبدأ مع الناحية الموضوعية, حيث اشتهرت أعمال غثة في قيمتها الفنية والأدبية والفكرية لشبهة منعها, ولم تكن تلك الأعمال لتحقق هذا الانتشار الواسع إلا لشبهة المنع والحجب, فزاد انتشارها من حيث أريد حد أثرها, والإتاحة للتقويم الجماهيري وحده ودون تدخل هي الوسيلة الفعالة الوحيدة للحد من انتشار الفن والفكر السقيم, والمتعدي, أو الخارج. والإبداع غاية ووسيلة في آن واحد, فهو غاية من حيث قدرته علي التثقيف وتهذيب الخلق والوجدان وتنمية حواس التذوق الجمالي بهدف صناعة أمة ذات وجدان جمعي خلوق, متحضر, متسامح, يحترم قيمة الإنشاء والعمران والبيئة الصالحة للحياة الكريمة, والجاذبة للسياحة والتواصل الثقافي الحضاري, والجالبة لاحترام وتقدير الأمم. وهو وسيلة أيضا, إذا مانظرنا إلي الثقافة عموما والإبداع خاصة علي أنهما معا يمثلان قاطرة تنموية توظف القدرات الإبداعية لدي المصريين وتعمل علي تصنيعها وتسليعها وترويجها كصناعات ثقافية قادرة علي تحقيق مباديء التنمية الكلية والشاملة التي تستخدم قوة مصر الناعمة في التنافس الاقتصادي والحضاري. وإذا مانظرنا إلي غاية الإبداع فهناك الكثير مما يمكن عمله علي سبيل المثال لا الحصر, كتثقيف التعليم عن طريق غرس قيم التذوق والابداع في النشء بهدف تخريج أجيال متذوقة للفن والأدب والفكر ومبدعة لها, وفتح منابر لأكاديمية الفنون والمسرح القومي بالمحليات, والاهتمام بالانتشار الكمي والجغرافي للثقافات الجماهيرية كالمسرح والسينما بالريف وتشجيع جمعيات العمل الأهلي عليها, وتشجيع موظفي المؤسسات الحكومية والمحلية والعامة علي الإبداع واستغلال المنابر المتاحة بالفعل بها كالوحدات الصحية, وفروع البنوك, ومحطات القطارات, وأسواق ومقاهي القري, إلخ.. لإتاحة تلك الإبداعات المحلية, بل يمكن إذا ما وافق الإخوان المسلمون استخدام مقارهم إضافة إلي مقار جمعيات الشبان المسلمين ومراكز الشباب المنتشرة في عمق مصر بهدف تنمية الإبداع وإتاحته, وكذلك إطلاق مبادرات المطبوعات المحلية والإذاعات المحلية لصنع مجتمعات ثقافية صغيرة, وتشجيع عودة مسابقات المدارس والجامعات في الفنون والموسيقي والخطابة وكل أشكال الإبداع الفني, إضافة إلي استعادة المظاهر التراثية الثقافية بالريف والبنادر كأكشاك الموسيقي والراوي والمداح وخيال الظل والأراجوز وتتويج هذا كله بإعادة إحياء عيد الفن. وإذا تحدثنا عن الإبداع كوسيلة تنمية اقتصادية واجتماعية, فإنه بالمثل يمكن عمل العديد من المبادرات والبرامج لهذا, ومنها إطلاق مبادرة المرأة المعيلة المبدعة لتعليم سيدات مصر المعيلات حرفا تقليدية تسهم في رفع مستواهن المعيشي وتضيف للدخل القومي المصري والمنافسة بها عالميا كصناعات صغيرة ومتناهية الصغر, وكذا إطلاق مبادرات المبدع الصغير في كل أنحاء مصر, وتسويق أعمال صغار المبدعين محليا وعالميا بما يحقق عائدا أسريا وتحويلهم لعناصر منتجة بالمجتمع باعتبار مايملكونه من قدرات ومواهب وعزائم خاصة لاتتوافر عادة في غيرهم, ووضع كل هذا وغيره علي بوابة مصرية للثقافة مع إدخال إمكانات التجارة الإلكترونية للسلع الثقافية عليها. كما يجب العمل علي تحقيق التكامل السياحي الثقافي الإعلامي بهدف وضع عمق مصر علي الخريطة المهرجانية العالمية أسوة بالمغرب وتونس وحديثا قطر والشارقة ودبي, ومن المهم أيضا وضع المتاحف الفنية والنوعية والإقليمية المنتشرة بطول مصر وعرضها ولايزورها أحد في مناهج التعليم بهدف تحقيق رواج ثقافي اقتصادي متحفي, كما يجب علينا التعامل مع الأزياء والحلي والمأكولات المصرية كأحد روافد الثقافة المصرية ومؤسساتها افتتاح بيوت مصرية لها بالعواصم العالمية الكبري واستخدامها في الترويج الثقافي والسياحي والصناعي, وإن لزم الأمر إنشاء جهاز خاص لها. كما يجب أن يؤخذ في الاعتبار تشجيع دور النشر في المحليات بهدف الترويج لأدباء الريف والأقاليم إضافة إلي إعطاء أولويات تخصيص أراض ومواقع للمنابر الثقافية بالمحليات, وأخيرا يجب وضع ذلك كله في إطار منهجي وهيكلي سليم يحقق التوازن بين العمل الرسمي والأهلي, وكل هذا يمكن وضعه في وثيقة الإبداع المصري إن خلصت النوايا وتنزهت عن الغرض, والله المستعان.