رجل دين وسياسي وعسكري أجمع علي حبه واحترامه كل المصريين البلاد تعلن الحداد والكنائس تستقبل العزاء والصلاة علي روحه.. والجنازة بعد غد من المقر البابوي في العباسية. عندما خرج الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس معلنا نبأ وفاة البابا شنودة أمس علي المصريين انهالت الدموع, وتوالت التعازي بين الملايين في مصر في شتي المحافظات مسلمين وأقباطا يعلنون الحداد علي أحد اهم الشخصيات التي انجبتها مصروالذي ستشيع جنازته بعد غد الثلاثاء من المقر البابوي بالعباسية. لم يكتب للبابا شنودة ان يري لحظة فارقة في تاريخ مصر الحديث الذي شارك في كتابة أجزاء عديدة منه في القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة, وهي لحظة انتخاب مصر رئيسا للجمهورية بالاقتراع المباشر وفي انتخابات يتوقع لها الجميع النزاهة وان تنهي عهد الديكتاتور الي الابد, رحل البابا في نفس ليلة اعلان اقامة لجنة تأسيسية تنتخب لإعداد دستور مصر الذي يحكم البلاد من مشرقها الي مغربها تحت بند المواطنة. رحل البابا عن عمر يناهز التاسعة والثمانين, وأعلن نبأ وفاته ليسود الحداد وترفع الرايات السوداء في البلاد. رحل البابا شنودة بعد أن كان الجميع ينتظر اكتمال شفائه من ازمات العمود الفقري والتنفس وغيرها من الامراض التي أثقلت كاهله في الاعوام الاخيرة, ولكن اعتادها الشعب المصري, الجميع كان في انتظار عظته الاسبوعية ليعلم موقفه من قضايا دينية للاقباط ومثلها وطنية للمصريين في وقت نقترب من تشكيل دستور وانتخاب رئيسا للجمهورية. البابا لم يكن رجل دين فقط ورغم اعلانه اكثر من مرة عدم حبه للسياسة فإن قدميه توغلت في السياسة, ومن خلاله منصبه وجد نفسه مضطرا عشرات المرات إلي ان يرتدي عباءة الدفاع عن العروبة في قضية فلسطين. ولد البابا شنودة في الثالث من اغسطس لعام1923 في قرية سلام بمحافظة أسيوط تحت اسم نظير جيد روفائيل, وبدأ مشواره التعليمي بالحصول علي الشهادة الابتدائية من مدرسة الاقباط في دمنهور ثم درس بمدرسة الامريكان في بنها, وحل الرحال به بعد منفلوط ودمنهوروبنها ليقيم في حي شبرا, حيث درس في مدرسة الايمان. وفي عام1947 حاز البابا شنودة ليسانس الاداب قسم التاريخ بجامعة القاهرة والتحق بالكلية الحربية وتخرج منها ملازما عام.1948 وللبابا مسيرة حافلة قبل ان يتولي منصبه الاخير, فقد رسم اسقفا لدير السريان في عام1954 م وهو في الحادية والثلاثين من العمر بداية الرهبنة ثم رسم قسا عام1958, وبعدها رسم اول اسقف للتعليم المسيحي وعميدا للكلية الاكليركية عام1962 وانتخب البابا شنودة للجلوس علي كرسي الباباوية في الكاتدرائية المرقسية الكبري في الرابع عشر من نوفمبر لعام1971 واعلن البابا رقم117 في تاريخ البطاركة. وحجز البابا لنفسه مكانا في قلوب الملايين عبر اكثر من4 عقود.. مسلمين كانوا او مسيحين من خلال رفضه التام وفي كل احاديثه وعظاته التطرق لما تسمي فتنة طائفية في مصر كانت عبارة يرفضها, ورد عليها بمقوله شهيرة له هي مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا, رافضا علي الدوام اي محاولات لضرب نسيج الوحدة الوطنية. وله مواقف عديدة في مجال رفض الفتنة الطائفية, ابرزها احداث الزاوية الحمراء عام1981 والتي كانت سببا في انهاء علاقته تماما بالرئيس الراحل محمد انور السادات وايضا تغليبه للعقل في ازمات اخري مثل ازمة الكشح وازمة امبابة. لم يكن البابا بعيدا عن أخطر ازمات الوطن فيما يعرف ب خريف الغضب واعتقالات سبتمبر الشهيرة التي ينظر اليها العديد من المؤرخين علي انها البوابة التي فتحت رصاصات جماعة الاسلامبولي لتنهي حياة محمد أنور السادات رئيس الجمهورية الاسبق في أكتوبر.1981 السادات كان بطل اخطر ملف في حياة البابا شنودة, فهو الشخص الوحيد الذي عزله من منصبه بطريرق الكرازة المرقصية في اعتقالات سبتمبر الشهيرة عام1981 والتي خرج فيها السادات مهاجما شنودة بعنف واعلن عزله عن منصبه في سابقة كانت فريدة من نوعها بالاضافة الي تحديد اقامته وتنصيب لجنة تتولي الاعمال البابوية خلاف السادات وشنودة اندلع قبلها ب4 اعوام, عندما قرر رئيس الجمهورية اطلاق العنان لرحلة ابرام معاهدة السلام مع اسرائيل ودخوله في مفاوضات مع الولاياتالمتحدةالامريكية الوسيط في الصفقة لإكمال فصولها, وكان السادات يتوقع ان تحظي معاهدته بتأييد من الكنيسة المصرية, ولكنه فوجئ بمعارضة حادة من جانب البابا شنودة الذي اصر علي موقفه بانه لاسلام مع اسرائيل في ظل عدم انهاء القضية الفلسطينية واستعادة القدس. ورفض مغادرة مصر عام1977 برفقة السادات في وفد زيارة الكنيست الشهيرة التي انطلقت بعدها خطة السادات لإتمام معاهدة كامب ديفيد. وبعدها تحول البابا شنودة في عيون السادات من رجل دين إلي أحد معارضيه السياسيين وبدأ في تحميله مسئولية أزمة الاحتجاجات المصرية للاقباط في الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال زيارة للسادات, وانتهت علاقتهما بصورة درامية تمثلت في عزل السادات للبابا في خريف الغضب وتحديد اقامته قبل ان يستعيد مناصبه مع بدء ولاية محمد حسني مبارك الاولي رئيسا للجمهورية بعد حادث المنصة, وخلال تلك الفترة كانت ابرز التهاني بالعودة للمارسة عمله البابوي تهنئة الراحل عمر التلمساني مرشد الاخوان المسلمين في ذلك الوقت موقفه من القضية الفلسطينية احد ابرز محطات الرجل, في عالم السياسة التي كان يرفض ان تطأ قدمه إليها, موقفه كان نموذجا مشرفا للعروبة, فهو لم ينس انتماءه الي مصر أم العرب والقضية الفلسطينية, ورفض العديد من الدعوات التي انهالت عليه في الماضي من اجل زيارة القدس, وربط تلبيه الدعوات والسفر الي هناك بأن يكون سفره مصحوبا الي جانبه بإخوته المسلمين مع حل القضية الفلسطينية وعودة القدس الي الاحضان العربية مرة أخري ودخل في مواجهات مباشرة مع اسرائيل من أجل استعادة دير السلطان إلي كنيسته. لم يكن خروج بيان المجمع المقدس للكنسية القبطية الارثوذكسية واصفا البابا شنودة معلما للاجيال من فراغ, فالتاريخ القبطي المصري سيظل يذكر للرجل انه الباب الذي قاد اكبر حركات التنوير بالنسبة للمسيحيين. فهو أول بابا يزور كرسي روما وكرسي القسطنطينية منذ15 قرنا, وانهي الازمة التاريخية المعروفة باسم الكريستولوجي الخاصة بيطعة المسيح والتي امتدت ل15 قرنا باتفاقيات مع الكاثوليك والانجلكانواصبح اول بابا سكندري في التاريخ ينضم الي اقامة رؤساء المجلس الكنائسي العالمي, وهو اول بابا تنشأ في عهده كنائس قبطية ارثوذكسية في العديد من البلدان مثل كينيا وزيمبابوي وجنوب افريقيا وزامبيا, بخلاف تأسيس اكثر من50 كنيسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبحر الكاريبي ونحو20 كنيسة في استراليا و12في استراليا, وهو أول بابا يدشن كنيسة في في العاصمة الانجليزية لندن, بخلاف عشرات الاديرة وكليات الاكليركية في الولاياتالمتحدةالأمريكية واستراليا وألمانيا والتدريس فيها. وهو أول بابا يضع لائحة للمجمع القدسي, وايضا اول بابا يقوم بتقديس الميرون المقدس عدة مرات, وهو اول بابا يرسم اسقفا عاما للشباب وكان وقتها الانبا موسي. وكان رجلا محبا للعلوم, وحاز الدكتوراه الفخرية من جامعات مختلفة في الولاياتالمتحدةالامريكية والمانيا كما كان عضوا في نقابة الصحفيين.