ولد في قرية ليبية نائية بعيدا عن العاصمة, انضم مبكرا لحركة اللجان الثورية نظرا لظروفه المادية الصعبة والتي وصلت أحيانا إلي عدم القدرة علي إيجاد ما يأكل. فكان يلجأ إلي الإقامة في المعسكرات التي تقيمها براعم وأشبال وسواعد الفاتح, ونظرا لتعليمه المتوسط رغم ذكائه الفطري الحاد لم يكن يعرف أي شيء عن الفكر السياسي, كان يحفظ عن ظهر قلب ويردد كل ما يقال له من نقاشات وخطب نارية ومصطلحات قوية وأكليشيهات رنانة جاهزة مثل الرجعية, الامبريالية, والمندسين, اليمين المتعفن, وحتمية الوحدة العربية, المنعطف الاشتراكي الأخير, العامل القومي المحرك للتاريخ..., دون أن يشغل نفسه بالتفكير في معانيها. كان يمتاز بالشخصية الكارزمية والصوت الجهوري فقد كان آخر من يسكت عند الهتاف. كان يرتدي حذاء( شبشب الصبع) البلاستك والبدلة العربية بدون مكوي, ومعاطف( كبابيط) شركة التسويق ذات الألوان الباهتة. بعد فترة من الاعداد في هذه المعسكرات اكتشف أن له قلما جميلا فانتقل من قريته إلي طرابلس وبدأ يكتب في جريدة الزحف الأخضر, وجد نفسه محاطا بالمسئولين في الندوات والمؤتمرات والمسيرات, صمم الاستفادة من هذه الوضعية من خلال النصب والاحتيال علي كل من يلتقي به في أول فرصة. قرر يوما ذا صيف الذهاب إلي مجمع الحديد والصلب بمصراتة, ركب تاكسي السبع ركاب من محطة الركاب في ميدان السويحلي بطرابلس, وفي الطريق الطويل والسيارة بدون تكييف كان يتسلي بقراءة اللافتات التي تملأ جانبي الطريق بمقولات من الكتاب الأخضر, قرأ لافتة من اللافتات مكتوبا عليها الرياضة نشاط عام ينبغي أن يمارس لا أن يتفرج عليه, وصل إلي المصنع وطلب الدخول علي المدير العام الذي عرفه من اسمه في المقالات النارية في الزحف الأخضر, وجد المدير العام يضع آية قرآنية خلفه تقول: الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس, بعد أن سلم بدأ الحديث بشرح للآية قال بأس شديد للعاملين في المصنع ومنافع للناس السماسرة في الخارج. أعجب المدير بهذا الشرح الجميل للآية الذي يسمعه للمرة الأولي, عرف بذكائه أن المدير مرتاح واللحظة مواتية للحديث عما جاء من أجله, تقدم بطلبه مباشرة للمدير مصحوبا بأوراق شركته التجارية( المزورة) للحصول علي كمية من حديد التسليح المطلوب في السوق, والذي يصل فرق السعر فيه بين المصنع والسوق السوداء قرابة ضعف الثمن تقريبا. قرأ المدير العام الطلب وتفحص الأوراق فإذا به هو شخصيا صاحب الشركة, استغرب المدير من أن يتحول هذا الثوري المعروف إلي تاجر في زمن تحرم فيه الدولة التجارة, وتطبق نظاما اشتراكيا للاقتصاد, فسأله عن القصة, تململ قليلا وفجأة وكأنه تذكر شيئا مهما قال: آه.. نعم... كنت قد كتبت مقالا عنوانه البزنس نشاط عام يجب أن يمارس لا أن يتفرج عليه وعندما أطلع القائد علي المقالة قال: لماذا لا تمارسه؟ فقلت للحضور هذه تعليمات, وأسست هذه الشركة. أعجب المدير العام مرة أخري بالقصة المختلفة وصدقها, ووقع علي الطلب بالموافقة. خرج مزهوا بعد أن نجح في اختلاق القصة بهذه السرعة, ومنذ هذه اللحظة تعود روايتها في كل عملية نصب جديدة يقوم بها مستفيدا من اسمه المعروف في الحركة. وبعد النجاح تلو النجاح في عمليات النصب بدا الفرق كبيرا وواضحا في نوعية الملابس التي بدأ يلبسها, فأصبح من رواد الشاموا وبيير كاردان وفرساتشي ومعظم الماركات العالمية من ملابس وأحذية وعطور, وصارت تزين معصمه ساعة الرولكس, وبدأ يركب الأودي ويمتطي صهوة التويوتا ستيشن, ويمتلك الفيلا والمزرعة واضحي من علية القوم, يلجأ إليه الناس لحل مشاكلهم, ويحضر في معظم المناسبات الاجتماعية, وأصبح يطلق عليه لقب الحاج, ونادرا ما تفارق المسبحة يديه لأنه يحج ويعتمر كل سنة!! كاتب من ليبيا