منذ بدأت الاهتمام بالشأن العام قبل نحو ثلاثين عاما, لا أكاد ألحظ أي اختلافات فيما تصدره القمم العربية المختلفة, خاصة بعد أن تحولت إلي دورية تعقد مرة كل عام, وكان هذا مطلبا ملحا للشارع العربي, في أن يري قادته يجتمعون سنويا لبحث مشاكل العالم العربي المتراكمة, وحتي الطارئة. لكن ألية الانعقاد الدوري للقمة, صادفتها الكثير من المشاكل, وتقريبا لم يكتمل حضور القادة العرب في أي قمة, فهذا الزعيم علي خلاف مع آخر, وذلك لا يريد الحضور حتي لا يتورط في اتخاذ مواقف قد تحسب عليه, وبدلا من الانشغال بجدول القمة العربية أصبحنا نلهث في الإعلام لمعرفة عدد الزعماء الغائبين والتفتيش وراء أسباب غيابهم. تقريبا تحول الحضور والغياب إلي حدث مثير, ربما لأن ما يصدر عن القمة قد لا يكون مثيرا في معظم الأحيان, فقد دأبت مؤسسة القمة علي إعداد بيان ختامي, يبدأ بتوجيه الشكر لزعيم الدولة العربية التي استضافت القمة, ويعبر علي الصراع العربي الإسرائيلي ليؤكد القادة العرب دعمهم للحقوق العربية وتبني مبادرة السلام العربية, وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.. ويدعم القادة العرب حق سوريا في استعادة الجولان المحتل. وهناك بند آخر ثابت سنويا يخصص لدعم الإمارات العربية المحتلة ضد الاحتلال الإيراني لثلاث جزر إماراتية, ولا بد أن يمسي القادة العرب علي الصومال والسودان.. ويلقون التحيات والقرارات علي دول أخري.. من هنا وهناك. باختصار يري الناس أنه لا حاجة لعقد القمة العربية, فالقرارت سابقة التجهيز, وهي معدة منذ سنوات, يجري استخراجها وتحديث بعض كلماتها وعباراتها سنويا لكن المضمون لا يتغير, وغالبا ما تبدأ قرارات القمة بعبارت مثل نشجب وندين ونشكر ندعم وندعو ونهنئ إلي آخر تلك الأفعال المضارعة في اللغة.. لكنها في الواقع أصبحت أقرب إلي صيغة الفعل الماض. كل ذلك بلا شك أصاب الشعوب العربية بحالة إحباط ليس فقط من القمم العربية, وإنما حتي من الجامعة العربية كمؤسسة للعمل العربي المشترك, حتي أن كلمة مشترك أصبحت بمثابة نكتة, لأن المؤسسة العربية الوحيدة المنتظمة في الفعل والعمل والتمثيل الرفيع هي مجلس وزراء الداخلية العرب! ورغم إحباط الناس, والحديث عن ضرورة خروج القمم العربية من الحديث عن خلافات أهل القمة أي الزعماء فيما بينهم, إلي الحديث عن قمة للأهل الحقيقيين أي المواطنين العرب الذين ينتظرون الكثير من قادتهم ومن مؤسستهم العربية المريضة, فإن حالة الوهن والمرض العربي لا يجب أن تدعونا إلي الكفر بالعروبة, وإعلان وفاة مؤسسة الجامعة العربية. فإذا لم نكن قادرين علي إصلاح الجامعة العربية, وتحويلها إلي مؤسسة حقيقية علي غرار الاتحاد الأوروبي مثلا, فعلينا علي الأقل المحافظة عليها كما هي, لا نعمل علي إضعافها, ولا ندعو إلي استخراج شهادة وفاتها.. صحيح أن الحاضر رمادي, لكن لا يجب علينا في كل الأحوال تدميره, وإنما يجب أن نترك الإصلاح للمستقبل, ولأجيال أخري قادمة قد تكون قادرة علي إصلاح ما فشلت فيه أجيال عربية متتالية. نعم الجامعة العربية كيان ضعيف, وصحيح انها لا تعبر عن تطلعات الشعوب العربية, لكن علينا التمسك بها كما هي إن لم نستطع إصلاحها.. وهذا أضعف الإيمان, ولا بأس من المؤمن الضعيف.. حتي يأتي المؤمن القوي.. ونأمل ألا يتأخر كثيرا!