تتمة لمقالي السابق بورسعيد.. مسرح الجريمة الذي نشر هنا في الخامس من فبراير الحالي واستكمالا لشرح وإيضاح أبعاد الشخصية البورسعيدية.. مكوناتها ومكنوناتها. فهي هكذا مقاومة بطبعها.. بطبيعتها.. بظروف نشأتها.. بكنهها. بمكونات شعبها.. بخلطة ناسها وفعل موقعها وبحكم صراعاتها, لم تختر هي النضال والمقاومة برغبتها ولا هو فرض عليها. هكذا هي.. شيء خاص. عاش البورسعيدي تاريخيا مهموما بمصريته وعروبته ومحاولة التأكيد علي الذات بخلاف مصريي الداخل الذي لم يكن في حاجة لذلك ولم يكن من بين همومه تأكيد هويته وتحقيق شخصيته حيث كان مطمئنا لعمقه التاريخي مستندا إلي حضارة أجداده الأقدمين.. أما البورسعيدي فالشأن مختلف والحال غير الحال, وهو المستهدف بالعدوان والمرتبط بالمقاومة من56 إلي67 إلي69 الي73 غير كونه عاش الكثير من عمره في مواجهة السادة الأجانب من مقيمين ومحتلين. وكانت أبرز مواجهاته في تشجيع ناديه المصري في قبالة أندية الأجانب فيرتوس وورمس واليوناني وغيرها. وفي مقهاه بالحي العربي الفلاح وفريال والعربي والسعيدية مقابل اللوفر وريفولي والبلياردو الخاصة بالاجانب والمرتبطين بهم من الطبقة الاجتماعية الأعلي وانشأت مسرحها الاقليمي في مواجهة الاندية المسرحية الخاصة بهم انشدت أغنيتها المقاومة فقد عرفت بورسعيد فيما عرفت الأغنية المقاومة ولها في ذلك شأن ولشعرائها العديد من الصولات. فهذا كامل عيد ورفاقه الذين كتبوا وذلك العشري وزملاؤه من المؤدين. وفي تراثها آلتها الموسيقية الخاصة السمسمية بنغمها المميز وهذا الشيء الصادر عنها الذي يتخلل أعماقنا كأبناء للمدينة وقد يكون فيه سر كراهية المحتل لنغماته وموسيقاه. ولتمسكه ببيئته وإنحيازه لها اختار من بينها ألقاب عائلاته والتي من بينها الطير وطيره وسمك وشباره والبلطي والصياد والرباط والفحام والريس والراكبي والبوري وجرانة والقرموطي والبحري واللنش بما يؤكد عمق ارتباطه بوطنه وموطنه. فهل لمن هذه شيمتهم يقوم أو يسهم في حرق الوطن ثم هو يختار أسماء شوارعها بما يجعل بورسعيد تحتضن وتضم في طياتها كل مصر, ففيها شوارع من الاسكندرية الي اسوان مرورا بقنا واسيوط وسوهاج وجرجا والشرقية والزقازيق والقليوبية وطنطا الخ وهي معان تأخذ منها معني الارتباط بالوطن الأم والتعلق به والتأكيد علي كونها من صلبه وأنها إبنة الوطن الأم, حاميته ومتقدمة صفوف فدائيي أبنائها. بورسعيد حالة جادة مستقيمة بمثل شوارعها العرضية وهي عرضية باستقامة تامة من أول المدينة لاخرها من شمالها لجنوبها وهي كذلك بالنسبة لشوارعها الطولية باستقامتها التامة من أول المدينة لآخرها من شرقها لغربها. هي هكذا تعبر وتترجم وتؤكد علي مكنونات ناسها وبحجم الاتساق والمضاهاة بينها وبين ناسها الذين لايعرفون اللوع ولا الحقد ولا الغيلة إنما يعشقون الحياة والحب والمساواة ويكرهون التمييز ويدركون حق الآخر تمام الادراك. عرفت بورسعيد كل معاني التعاقب ما بين الفقر والغني والوفرة والعدم.. أشكال عديدة من أشكال الابتلاء التي علمتها الصبر والكبد والجلد والمواجهة والتصدي والتحدي والبحث الدائم عن الحلول لمشكلاتها التي كثيرا ما صدرت لها. الآن وبعد انفراجة الثورة العظيمة الوليدة في25 يناير2011 يكون من حق بورسعيد أن تحكي حكايتها مع الرئيس السابق وعن حجم العنت والكراهية والتهميش والترك والاهمال والعقاب كرد من جانبه وحوارييه ورجاله علي ما سموه محاولة اغتياله وواقعة الاعتداء عليه لتدهمنا هذه الواقعة التي قفزوا بها في ملعبنا علي غير إنتظار. ما أراه في هذه المقدمة بخلاف كونها استكمالا لما سبق القول به في مقالنا السابق أراه ضرورة لكشف خلفية ذلك الحدث الجلل والكارثة التي دبرت لبورسعيد ومصر بليل. ولأن معظم النار من مستصغر الشرر ولأن المباراة أيا ما كانت, ما كان لها أن تنتهي لما انتهت اليه من فاجعة مدوية مؤلمة ومريرة فانني اسجل تحذيرا ضروريا ولازما لأولئك الذين يستهينون بالأمر وباللعب بالنار من استمرار إمداد النار بالحطب, من خلال أقوالهم غير المسئولة, عبر فضائيات الاعلام الرياضي وغيره من الذين يسعون لتأجيج نار الفتنة, ولزرع الفرقة والتفرقة إن الوطن ليس في حاجة لمزيد من التشرذم والقسمة مع كل هذه الوفرة والتعدد في التوجهات السياسية وكل هذه الانقسامات والإئتلافات المتعددة والأحزاب القائمة المتباينة الاتجاهات والمتنافرة بخلاف السائد من العنصرية الدينية والمذهبية الي غير ذلك ولتضيف لها تقسيمات وانقسامات جغرافية وإقليمية وبلدات ومدنا في مواجهة بعضها وما قد يتجاوز ذلك. يقول العقلاء بانه وبفرض ثبوت خطأ ما من جانب بورسعيد وهو غير الوارد تماما فان وأد الفتنة ولم الشمل سابق علي ما عداه حفاظا علي وحدة وكيان هذا الوطن المقدس. ولعل من المعلوم ان الحض علي الكراهية فعل مؤثم غير كونه جريمة جنائية يلزم ويجب ان نتجنب الوقوع فيها لما تحمله من مخاطر ومتاهات لا يعلم مداها الا الله ثم لعله من الثابت والمؤكد ان ما حدث وجري لا يعدو كونه جزءا مما يجري علي مساحة مصر كلها من تسيب وغياب امني.. ومن فوضي عارمة ومن مناخ موات وبيئة معاونة لكل ما شأنه تكدير حال البلاد والعباد, فهل من عقلاء في هذه الأمة يوئدون تلك النار المتقدة المشتعلة في كل أرجاء البلاد.