ولقد كان من غير الممكن أن تمر هذه الفترة العصيبة دون وجود قوة سياسية تدير شئون البلاد سواء في مصر أو في الدول العربية التي جرت فيها الثورات الشعبية, ولما كان الشغل الشاغل لنا جميعا هو البحث عن ذلك البديل الأفضل. يبدو أننا مقبلون علي تجربة حكم جديدة في الوطن العربي تقودها تيارات وأحزاب الإسلام السياسي, وبالتأكيد فإن هذه الأحزاب والتي ظلت لأكثر من ثمانية عقود تتبوأ المقعد الأول في صفوف المعارضة, وظلت تجلس علي دكة الاحتياط قد جاءتها الفرصة, ونجحت في أول احتبار ديمقراطي حقيقي لها, وجلست في الصفوف الأولي لمقاعد البرلمانات. هذا الفوز الكبير والنجاح المبهر للأحزاب الإسلامية, وإن فاجأ البعض وأربكه, فإنه لم يفاجيء أحدا من القارئين للتاريخ والأوضاع السياسية عموما, باعتبار أن الفوز الذي حققه الإسلام السياسي, هو أولا: متوقع, في ظل عدم وجود بديل سياسي للأنظمة السابقة, وهي ثانيا: الأحزاب الوحيدة التي لديها قدر كبير من التنظيم في صفوفها, ثالثا: وهي أيضا الأحزاب الوحيدة في الوطن العربي التي تملك المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والخدماتية, فضلا عن امتلاكها وادارتها للعديد من المؤسسات الإعلامية الكبري كالفضائيات والاذاعات والصحف والمواقع الالكترونية الإعلامية, وهي رابعا: تمتلك سلاحا لا يستطيع أحد الوقوف أمامه, وهو سلاح الدين,( ولأن الدين أفيون الشعوب), فقد وظفت هذه الأحزاب بقوة, واستطاعت التمرس وراءه بطريقة أمكنتها من كبح جماح معارضيها. ولقد كان من غير الممكن أن تمر هذه الفترة العصيبة دون وجود قوة سياسية تدير شئون البلاد سواء في مصر أو في الدول العربية التي جرت فيها الثورات الشعبية, ولما كان الشغل الشاغل لنا جميعا هو البحث عن ذلك البديل الأفضل أو الأقوي ليقود المرحلة المقبلة, ويتولي المهمة الشاقة؟, وهي فعلا كذلك!. لأن الدول العربية بكل ما تعني الكلمة من معني, تعيش واحدة من أصعب مراحل وجودها الإنساني, فهي تتقدم بوتيرة متسارعة نحو الوراء, فعلي الصعيد الاقتصادي والصناعي أصبحت المنطقة العربية هي السوق الاستهلاكية الأولي عالميا, وبالمقابل ازدادت نسبة الفقر والبطالة, وقلت الرعاية الصحية, وانعدام الضمان الاجتماعي. فضلا عن ذلك أصبحت المناهج التعليمية في أسوأ أحوالها, مع تراجع واضح في مستوي التعليم الجامعي في جميع التخصصات والمجالات, ما أثر علي مستوي الجامعات العربية في التصنيف العالمي, بعدما كان العالم يرسل البعثات تلو الأخري ينهل ويتعلم من جامعاتنا ومعاهدنا. لقد كان أسلافنا نموذجا عالميا يحتذي به, واكتشفوا واخترعوا بعقولهم وبنوا وصنعوا كل شيء بأنفسهم دون الاعتماد علي غيرهم من الأمم, فتركوا لنا تاريخا مشبعا بالعراقة وعبدوا لنا الطريق لنكون قوة لايستهان بها بين الأمم, قوة يحسب لها ألف حساب لكننا مازلنا نضل هذا الطريق. لقد أخطأنا كثيرا كعرب سواء كنا شعوبا أو حكومات, فالكل منا مسئول عن هذا الذي جري ويجري, مع أن حدود المسئولية هنا تتوزع حسب موقع كل واحد, فالمسئولية الأولي وراء هذا الخراب الكبير في الحياة العربية علي كل الصعد السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها, تقع علي كاهل الحكومات, باعتبارها المسئول عن الشعوب, عملا بحديث رسول الله صلي عليه وسلم( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته), والمسئولية الثانية هي مسئولية الشعوب أي الأغلبية الصامتة التي سكتت عن قول الحق حتي وصل الحال إلي ما هو عليه الآن. وفي ظل صحوة الشعوب العربية من سباتها العميق, استوجب عليها وضع العربة علي السكة, وفي ظل هذا الإدراك الشعبي أيضا لم يكن من الممكن تجاوز حقيقة وجود القوة الإسلامية المراقبة والواقفة علي جنبات الطريق تنتظر القفز في عربة القطار, لتكون شريكا حقيقيا في إدارة البلاد, وهو ما حدث اخيرا لاسيما في مصر التي اكتسح مقاعدها البرلمانية حزب الحرية والعدالة وحزب النور, والآن بعد انعقاد جلسة مجلس الشعب المصري في24 يناير الماضي, اتضحت معالم مصر ووجهتها علي الأقل في غضون الأربع سنوات القادمة. إن الأحزاب الإسلامية وإلي جانبها جميع القوي السياسية التي صعدت في الانتخابات البرلمانية, مطالبة جميعها بالسير علي قدم وساق نحو الإصلاح الشامل, والبدء الفوري بتنفيذ ما تعهدت به أثناء حملاتها الانتخابية, لاسيما الإصلاح الاقتصادي لأن الاقتصاد يحد من نسبة البطالة عبر إيجاد فرص عمل, مما يقلل من نسبة الفقر, ويخفض معدلات الجريمة, ويعزز من فرص التعلم, والتطور, في مقابل ذلك يتوجب علي هذه الأحزاب عدم الاستئثار بالحكم, وتدعيم ثقافة الحكم الرشيد, وتجسيد مفهوم الشراكة السياسية بين الكل الوطني, وتنمية الثقافة السياسية, وتعزيز مفهوم المشاركة السياسية والديمقراطية الصحيحة علي مبدأ قبول الآخر لأن الوطن هنا ليس ملكا لأحد, فالوطن هنا أكبر من الجميع!, والوطن هنا يتسع لكل الألوان وكل الأطياف!. الكاتب والمحلل السياسي