خيم الحزن والآسي علي أهالي بني سويف بعد أن فقدوا الطفل محمد الذي لم يتعد الخمسة عشر ربيعا بعد أن تباري خاطفوه في تعذيبه وحكموا عليه بالشنق اعمالا بقانون البلطجة الذي لا يعرف الرحمة. وخلعوا معه قلب أم ثكلي وفلذة كبد أب مسن وضع الخاطفون رقبة الملاك الصغير في كفة وبضع جرامات من الذهب فدية لتحريرها في كفة أخري وعندما عجز الوالدان عن تدبيرها القوا به مشنوقا في غيابات الصحراء تنهشه الكلاب الضالة وثعالب الجبل علي مدار اثني عشر يوما وكأن قلوبهم لا يجري بها سوي سم الأفاعي ولا تعرف للدم سبيلا. تلهث الأم ويلملم الأب أطرافه متوسلا لها أن تخطو لتصل به للثلاجة ولكن هذه المرة ثلاجة حفظ الموتي.. جنبات المكان مليئة بالوجوه الشاحبة ودموع الأهالي سالت علي الاذقان لتتساقط علي الصدور. انين الاشقاء وصراخ النساء لم يكسرا هيبة وعظمة المشرحة فالبرودة انتقلت منها ممزوجة برائحة الموت لترتعد الأوصال وتشخص الأبصار وبعد طول انتظار نجح الرجال في الحصول علي آخر شهادة يحصل عليها الشهيد قبل انتقاله لمثواه الأخير.. خرج الطفل محمولا علي اكتاف أهله وكسر الصمت صرخات والدته التي تعالت بالمكان ابني زي شهداء يناير ونهت النساء عن الصراخ قائلة مفيش عريس بيتصوت عليه وكررتها عدة مرات حتي أغشي عليها. شيعت جنازة الصغير ووضعه والده في قبره لتستقر روحه بيد خالقه وأصبح للفقيد عنوان بعد أن ظل بعيدا علي مدار عشرين يوما عن ستر التراب. ورفض الأب قبول أي عزاء في صغيره قبل أن يقتص من الذين سلبوا نور عينه وتحدث بنبرات متقطعة ل الأهرام المسائي قائلا ظل مختطفوه يتلاعبون بمشاعرنا ويقتلوننا بالبطيء علي مدار20 يوما من اختطافه تارة يقولون البقاء لله وتارة يتهمونه بالاعتداء علي أحد نسائهم جنسيا وهو ما يجعلهم يبيحون دمه وادعي خاطفوه انهم من احدي القري ولن تستطيع الشرطة ولا الجيش الوصول إليهم واقتحام قراهم وهو ما جعلني اخشي ابلاغ الشرطة والغريب أنهم لم يطلبوا أي مبالغ فدية للافراج عن ابني محمد لدرجة جعلتني أشك أن ابني بالفعل اعتدي علي احدي نسائهم جنسيا. ظلت والدته تتوسل إليهم وقالت لهم احنا بنفهم في الأصول وإذا حدث شيء خارج من ولدي فسنقوم بتزويجه ممن اخطأ معها ولكن يجب أن يكون هناك تفاهم وبالفعل بعد عدة أيام اتصل الخاطفون بنا وطلبوا عدة جرامات من الذهب ومبلغا ماليا كبيرا واكملت والدة الطفل قائلة للخاطفين نحن من أسرة متوسطة الحال ولا نملك سوي مكافأة الامتحانات التي نحصل عليها نهاية كل عام فأنا مدرسة ووالده موجه بالتربية والتعليم ونحن علي استعداد للتوقيع علي ايصالات أمانة لتفرجوا عن الصغير ولو كنا نملك ما تطلبونه لكنا قمنا بعمل مشروع لأخيه العاطل رغم بلوغه26 عاما. وتأكدت الأم عندها انهم خاطفون وليس ما يقولونه سوي كذبة فأهالي الريف لا يرتضون نقودا مقابل ضياع شرف بناتهم وقررنا بعدها ابلاغ الشرطة التي توصلت للجناة وبكت عندما تذكرت ان الخاطفين كانوا قد قتلوا صغيرها قبل ابلاغ الشرطة بيومين خيفة افتضاح أمرهم حيث كانت المفاجأة والطامة الكبري أن أحد قاتلي الطفل هو جار لنا وسيفتضح أمره بمجرد رجوع الطفل لنا في حالة دفع الفدية لأنه يعرفه جيدا. وانتصبت هامة الأم فجأة ماسحة بيديها سيل دموعها واستنشقت نفسا عميقا وقالت روح ابني خلصت الناس من أخطر البلطجية وسرعان ما تذكرت أفعاله الحسان من تقبيل يدها قبل خروجه من المنزل وفور عودته وكان أكبر مبلغ مالي يطلبه خمسة جنيهات وكان يحضر بنصفها حلوي لحسام شقيقه الأصغر. الذي قاطعها عندما ذكرت اسمه وقال يا ماما دا كان بيغنيللي وهو نايم بجواري بالليل وبيساعدني في استذكار دروسي وكان بيديني فلوسه وأنا نازل المدرسة دا حبيبي وصحبي كمان ومش مصدق اني سأطفيء شمع عيد ميلادي من غيره بينما تذكرت سلمي شقيقته الكبري لحظات تقاسمت فيها احساس الأمومة مع والدتها تجاهه فكانت تقوم بتجهيز ملابسه وكيها له وكانت تعلمه الصلاة وذكر ربه. وكانت تقول رغم أنني شقيقته الكبري إلا أنه كان يترك لي نقودا أسفل مخدعي من مصروفه وعندما أغضبه كان هو من يأتي ويصالحني ويقبلني معتذرا لي وبكت مطالبة بالقصاص من مختطفيه القتلة بوضعهم في قبر أحياء لتأكل من أجسادهم الحيوانات الضالة كما فعلوا بأخي ولم يرحموا توسلاته لتركه يرجع لأحضان والدته وأشقائه, وتجاذب أطراف الحديث شقيقه الأكبر مصطفي الذي يعمل بشرم الشيخ قائلا لم أعلم بخبر اختطافه نظرا لحرص والدنا علي عدم اشراكنا في المشاكل والهموم وكان شقيقي رحمه الله غضبانا مني قبل سفري في المرة الأخيرة قبل مقتله بسبب نهري له دون سبب. وفوجئت قبل اختطافه باتصاله بي وقال لي: عاوز أشوفك أصلك وحشتني وكأنه يعلم أن موعد لقاء ربه بات قريبا. وفي نهاية اللقاء بأسرة تجسدت بها حال المجتمع وآلامه من بلطجية العصر حرصت الأم علي أن توصي عبر صفحات الجرائد بأن تتجه أي أسرة للشرطة في حال اختطاف أي فرد منها قائلة: لا يجب أن نخشي لصوصا ولا نستسلم لطلباتهم فقضاء الله نافد لأن ذلك سيشجع العديد منهم علي الاستمرار في التجارة بأرواح ابنائنا.