ارتفعت الصيحات وتعالت أصوات المهنئين وضج المكان بروح المرح والدعابة والقفشات وزغاريد النساء والفتيات ورغم بساطة حي منشية ناصر إلا أن مظاهر الاحتفال وطقوس الأفراح. به تتسم بقيام الصبية الصغار بتوزيع المواد المخدرة والخمور واطلاق الأعيرة النارية بغزارة في الهواء ابتهاجا بالعرس ومجاملة لأهالي العروسين. كان من أشد الناس فرحا وابتهاجا بالفرح الطفل كرم عيد(9 سنوات) والذي زاد احساسه بالفرحة وجود ابن خاله كيرلس(8 سنوات) بصحبته فقد بدا لهما الفرح وكأنه ملهي لا تتكرر زيارته ولذلك أخذا يلهوان ويلعبان وسط الحضور من النساء والرجال ويتراقصان علي أنغام الأغاني الشعبية التي لا يذيع جهاز الدي جي غيرها. وكان عيد والد الطفل الصغير كرم أشد فرحا من ابنه الذي يرقص حيث كان كل من يهنئه ويشكر حضوره ومجاملته يناديه بأبوكرم فهذا يصافحه مبتسما قائلا له: عقبال كرم يا أبوكرم وذاك يشد علي يديه قائلا: عقبال ما نفرح بابنك وكانت كلها كلمات تشعره بالفخر والرضا حتي انه كان قد أحضر سلاحا ناريا طبنجة لكي يطلق بعض الأعيرة النارية مجاملة لأهل العروسين كما هو متعارف عليه بين أهالي المنطقة وعند أول ضغطة منه علي زناد المسدس توقفت الابرة ولم تتحرك وكأن شيئا قد منعها.. تصبب عيد عرقا رغم البرودة غير المسبوقة التي اتسم بها طقس تلك الليلة وبينما تحاول الرجل اصلاح مسدسه ومعالجته تكونت دائرة من المتفرجين من حوله كان أغلبهم من الأطفال الذين ينبهرون بمثل هذه المواقف ورغم تحذير بعض الحكماء وكبار السن ونصحهم لدائرة البشر الملتفة حول الرجل وسلاحه بضرورة الابتعاد إلا أن أحدا منهم لم يحرك ساكنا وظل الجميع واقفا فاتحا فاه لذلك التحدي والصراع بين الرجل وسلاحه خاصة بعد أن بدأ بعض أصحابه وجيرانه ممن يطلقون الأعيرة النارية بالسخرية منه ومن سلاحه الذي أصابه الصدأ. وفجأة عادت الروح إلي السلاح ولكنه نطق كفرا حيث خرجت ثلاثة أعيرة نارية مسرعة اخترقت الرصاصة الأولي ظهر ابن الخالة كيرلس لتخرج من صدره ليلقي حتفه قبل وصوله إلي المستشفي وتفشل كل محاولات إنقاذه بينما أصابت الثانية الطفل كرم في كتفه وتمكن الأهالي من حمله بأقصي سرعة إلي مستشفي الانجلو ناصر لتلقي العلاج. اصيب الأب بالذهول وسقط أرضا غارقا في تفكير عميق في أي مصير مجهول ينتظره ورغم محاولات الناس تهدئته إلا أنه ظل هائجا يبكي مرة ويصرخ مرات. وعلي أصوات صراخ النساء حضرت أسرة الطفل الثاني وزوجة الرجل البائس يشق صراخها عنان السماء حزنا علي ما حدث للطفلين بعد أن مات أحدهما بينما أصيب الثاني بطلق ناري. وأخذت توبخ زوجها أمام الناس بعد أن جن جنونها وعلمت بما فعله وصرخت في وجهه قائلة ابنك هيموت يا عيد الواد اللي حيلتنا هيموت. وعلي الفور أبلغ الأهالي اللواء محسن مراد مدير أمن القاهرة الذي أمر بضبطه وتمكنت قوة من مباحث قسم شرطة منشأة ناصر من القبض علي الأب عيد(72 سنة) جامع قمامة وبحوزته السلاح المستخدم وبمواجهته اعترف بارتكابه الواقعة بالخطأ وابدي ندمه وأسفه علي ما حدث وانخرط في البكاء أمام اللواء أسامة الصغير مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة. تم تحربر محضر بالواقعة وأخطرت النيابة التي أمرت بحبسه بتهمة القتل الخطأ.