يالها من مفارقات عجيبة, فالذين أبدعوا وكانوا علامات في الفن السابع, وجدنا بعضا منهم يقدم أطروحات شديدة التزمت والتطرف, صحيح انها تعكس واقعا موجودا بالفعل, لكن المأساة أن يستخدم الفن في ترويج كل ما هو ضد الفن ذاته والعاملين فيه علي اختلاف مواقعهم, سواء كانوا مخرجين أو ممثلين أو مغنين أما إذا كان منهم راقصات فحدث ولا حرج, فالفن مهنة لا ترتقي إلي مصاف المهن الأخري ومن ثم يجب أن تكون في الظل بعيدة عن أروقة المجتمع الصالح والعفيف, وينسحب الأمر كذلك علي المشتغلين فيه فلا يجوز لهم أن يتبوأوا أي مكانة فهم في النهاية مشخصاتية يجلبون قدرا من الفكاهة الساذجة. فكيف يستقيم ذلك مع عشرات الأسماء الذين تمردوا علي واقعهم المتخلف والمسجون داخل قوالب جامدة ليسيروا في طريق الفن لموهبيتهم التي وهبها الله لهم, وخلال مسيرة السينما المصرية سطرت قصص لنجوم رجال أو نساء عانوا نظرة المجتمع الدونية للابداع والمبدعين, ولكنهم قاوموا وفرضوا أنفسهم علي الحياة الفنية, في مقابل تلك التضحيات خرجت نصوص سينمائية تتحدث عن مساوئ هذا الدخيل الذي يسمونه تارة فنا وتارة أخري إبداعا, ثم تظهر محترفي تلك المهنة وكأنهم كائنات غريبة جاءوا من كواكب أخري لا علاقة لهم ببني البشر, وليتهم اكتفوا بل بذروا للرأي العام قيما مناوئة للفنون إجمالا!! من أجل الزواج اعتزلن الفن نتوقف عند بعض تلك الافلام, في فيلم' غرام وانتقام' الذي كتب قصته ووضع له السيناريو والحوار وأخرجه وقام ببطولته أيضا يوسف وهبي عام1944 وجدنا المغنية الشهيرة' سهير'( قامت بالدور أسمهان1917 1944), هذا اللحن الذي لم يمت علي تعبير الموسيقي جمال حمدي( يوسف وهبي1898 1982) في الشريط تودع جمهورها وهي في قمة توهجها الفني بأغنية, فلا يجوز لها أن تواصل موهبة الغناء بعد أن تكون قد إقترنت من الوجيه الأمثل رجل العلائلات وحيد بك( أنور وجدي1904 1955). أما في بين نارين والذي أخرجه جمال مدكور وكتب له السيناريو عام1945 وصاغ حواره صالح جودت(1912 1976) فيتعرف الدكتور حلمي( أنور وجدي) علي المطربة أمينة( راقية إبراهيم) في حفل أقامته ابنة خالته علية, ويقع في غرامها يتزوجها بعد أن تكون قد تركت ماضيها وكأنه أثم ورجس من أعمال أبليس, ولأنه من أسرة أرستقراطية فطبيعي ان تعترض والدته' زينب صدقي(1895 1993) علي تلك الزيجة غير المتوافقة مع المستوي الاجتماعي للعائلة, وتحدث مكائد هنا وهناك لإفساد هذا الزواج, وقد كان ويطلق حلمي زوجته لتعيش هي وابنتها دون مورد ثم تتاح لها فرصة لتكون نجمة سينمائية, هنا يستقيظ مطلقها ومعه عائلته كيف يتركا لحمهما في أحضان فنانة أو ممثلة ولأن القانون واضح وصريح فالأم لم تعد أمينة علي أبنتها بعد أن احترفت التمثيل وهكذا تنتزع الصغيرة من أمها إنتزاعا لكن لا بد أن تعود المياه لمجاريها ويكتشف الحقيقة فيترك أبنة خالته الشريرة ويعود إلي أمينة, لكن في كل الاحوال سيكون البيت والزوج المكان الطبيعي لها بإعتبارها زوجة صالحة. وكأنها لم تغن قط!! في الماضي المجهول عام1946 والذي كتب قصته واخرجه الراحل أحمد سالم(1910 1949) ووضع له السيناريو والحوار بديع خيري(1893 1966) سيتقرح بشارة واكيم( الاستاذ الشبكشي) علي نادية( ليلي مراد1918 1995) أن تتجه للغناء, وعندما تبدي اندهاشها: كيف لها ذلك ؟ وماذا سيقول عنها الناس ؟ فيكون الرد الغناء لا عيب ولا حرام شغلانة شريفة علي الأقل من أجل تربية الابن الصغير' لطفي', غير أن الزوج الثري الكبير أحمد علوي, سليل البيوتات العريقة, عاد بعد أن عادت له ذاكرته, وها هو يحتض زوجته وأبنهما وبمباركة من الموسيقي نفسه الفنان عادت نادية إلي الماضي الذي لم يعد مجهولا تاركة وراءها ما حققته في عالم الطرب وكأنها لم تغني قط. وفي فيلم حبيب الروح عام1951 والذي أخرجه أنور وجدي وقام ايضا ببطولته وكتب ايضا قصته وقام ابو السعود لابياري(1910 1969) بكتابة لسيناريو والحوار, يظهر يوسف وهبي وكأنه الشيطان الرجيم لا لسبب سوي أنه كان اكتشف في' ليلي' وهي هنا الفنانة ليلي مراد حلاوة صوتها فشجعها علي الغناء وأوصلها إلي القمة, لكن الزوج الذي سبق وطلقها لشكه فيها, عاد يجذبها كي تعود له, وتقف المسكينة حائرة بين المجد وتصفيق الجماهير, والزوج لكن تفكيرها لم يدم سوي لحظات فسرعان ما عادت إلي الحبيب وبيتها اولي بها من وهم لا طائل من ورائه ألا وهو الغناء!! من القلب إلي القلب والذي أخرجه هنري بركات(1912 1997) عام1952 وكتب له السيناريو بالاشتراك مع يوسف عيسي كان لا بد من شخصية تؤدي دور مزيف, ولأنها( ليلي مراد) ممثلة ومطربة في نفس الوقت وقع عليها الاختيار لتقوم بدور هدي في تمثيلية متقنة ومعها عمها المزيف محمود المليجي(1910 1986) بهدف عرقلة خطبة الابن الثري عادل( كمال الشناوي) الذي يصر الاب سراج منير|(1901 1957) علي تزويجه وتكشف الحيلة, وتكون المفاجاة أنها نفسها أبنة شقيقة الاب القاسي المتزمت والذي لن يصبح منذ لحظة الاكتشاف المذهلة قاسيا أو متزمتا, وهكذا تدخل العائلة إنسانة جديدة أما ماضيها الفني فالله لا يرجعه! وفي الليالي الدافئة قصة وسيناريو وحوار وإخراج حسن رمزي عام1962 تنويعة مختلفة من فيلم بين نارين. فالجراح الشهير الناجح أحمد رأفت( عماد حمدي1909 1984, يتعرف علي المطربة ليلي صباح, ويتزوجها سراي ولا يعلن عن هذا الزواج خوفا علي مكانته الاجتماعية لكن المطربةي تريد إعلان الزواج إلا ان الزوج يرفض ويطلقها ويأخذ ابنتها بحجة أنها فنانة لا يمكن أن تكون مسئولة عن طفلتها. نقاط ضوء قليلة!! لكن تلك المشاهد لا تخلو من استثناءات حتي وان كانت قليلة منها علي سبيل المثال لا الحصر فيلم نهارك سعيد والذي أخرجه فطين عبد الوهاب عام1955 وكتب له الحوار وحوار السيد بدير(1915 1986), وقام ببطولته منير مراد(1922 1981) مع سعاد ثروت وسراج منير1901 1957 وميمي شكيب1913 1983. ويدور حول شاب ابن عائلة أرستقراطية يتجه للعمل في مجال التمثيل بالرغم من معارضة والده لكنه سينجح في إقناع الاب بأهمية الفن والرقص معا كذلك وجدنا حسن الامام يعلي من قيمة الفن عامة والرقص خاصة خلي بالك من زوزو عام1970!