قبل عامين كانت كتب المدونات الأدبية تحتل القسم الأكبر من النقاش في الساحة الثقافية, باعتبارها واحدة من أكثر الظواهر غرابة وتحقيقا للربح, فكان صدور كتب عن ثلاث مدونات اثارت جدلا هي: أرز بلبن لشخصين لرحاب بسام وعاوزة أتجوزه لغادة عبد العال وأما هذه فرقصتي أنا لغادة محمد محمود وكانت تلك الكتب بمثابة الشرارة الأولي في موجة من الاهتمام بنشر كتب المدونات التي تسابق حولها الناشرون غير أن هذا الجدل الذي ظن البعض أنه يؤسس لنوع أدبي جديد اسمه التدوين الأدبي لم يلبث أن انطفأت جذوته وصار طبع مدونة في وقبل أيام شهدت ندوة مجلة العربي في الكويت نقاشا حول الطابع الأدبي لبعض المدونات خاصة بعد ما أكد مستشار مركز الدراسات السياسية بالاهرام الكاتب والمفكر السيد ياسين في ورقته المعنونة النقد الثقافي العربي في الفضاء المعلوماتي.. التجربة المصرية نموذجا أن مدونات ابداعية قليلة جيدة ورصينة في الإبداع بينما تذهب الأغلبية في اتجاه الدردشة والخواطر وتعاني ركاكة أسلوبية علي حد تعبيره وعلي الرغم من أن غالبية المدونين الذين تواجدوا في القاعة دافعوا عن مشروعهم الادبي الا أن السؤال ظل قائما حول أسباب انحسار نشر المدونات الأدبية في كتب. وهو السؤال الذي عادوت الأهرام المسائي طرحه علي مجموعة من المدونين والمتابعين اذ أكد الكاتب الروائي والمدون نائل الطوخي أن شهرة المدونات كانت مبنية علي نشاط المدونات السياسية والتي كانت مصاحبة لحركات الاحتجاج السياسي, لكن المدونات الأدبية ظلت محصورة طوال الوقت في جماعة مهتمة بالأدب كحال الادب في الواقع, وحين تراجعت الحركات السياسية المعارضة, تراجع نجوم المدونين. هكذا فسر نائل تراجع طبع المدونات في كتب, لكنه في الوقت ذاته أكد أن ذلك لا يعني اختفاء الظاهرة, فالمدونات مازالت تحل بالنسبة له هو شخصيا أزمة نشر, فقال مدونت هكذا تحدث كوهين التي تقوم علي ترجمة الأدب العبري, استمرت لأن أحدا لن يتحمس لنشر الأدب العبري دون أن يربطه بتوجه سياسي. ويضيف نائل أن تجربة نشر المدونات في كتب شوهت الكثير من مضمون هذه الكتابات فهذه الكتابة تقوم من وجهة نظره علي صيغة اليوميات والكتابة الشخصية الحرة الصادقة والتي تلقي الضوء علي مناطق مجهولة وفي أحيان كثيرة محرمة يتحفظ المجتمع في الحديث عنها, بالتالي ف أهم مافي المدونات لم يطبع بعد.ومن جهة أخري ير ي نائل أن ظهور تقنية مثل صفحة( الفيس بوك)أسهم بشكل كبير في تراجع التدوين لأنه وفر امكانيات أكثر للتواصل مع الجمهور المستهدف مباشرة. وفي المقابل أكد المدون عمر عزت صاحب مدونة ما بدا لي أن ظهور وسيلة جديدة لايلغي ماقبلها, وقال: لازالت كتب المدونات تطبع, كل ما في الأمر أن الجدل حولها هدأ قليلا ولم تعد طبعة المدونة ظاهرة تهتم بها وسائل الاعلام في الوقت نفسه يري عمرو أن بعض المدونات انزوت لارتباطها بحركات سياسية معينة, ولا مشروع كتابة فيها, فصار الفيس بوك وسيلة أفضل من التواصل مع جمهور هذه المدونات سواء في تكوين مجموعات أو تنظيم حدث. وقال عزت: الفيس بوك هنا يوفر آداة أفضل للتواصل والحشد, لكن ذلك لا يعني اختفاء المدونات فكل الأدوات تكمل بعضها ولا تلغي بعضها. وتابع: لطبع المدونات فوائد كثيرة منها التوثيق لتجارب كتابة, فبعض المدونات بها كتابات جيدة جدا لكنها تفقد جمهورها بعد أن يتوقف صاحبها عن التدوين بانتظام, بالتالي فطبعها يحيي هذه الكتابات, كأن تجمع مقالات الكتاب الصحفيين في كتب حتي لا تموت في الصحف. وعلي الرغم من اندفاع مجموعة من الناشرين وراء اصدار المدونات في كتب تحفظ البعض, أبرزهم مدير دار ميريت للنشر محمد هاشم وهي دار توقع البعض ان تتحمس للمدونات نظرا لارتباط مشروعها بنشر الكتابات الشابة غير أن هاشم أكد أن الكثير من المدونات طبعت قبل أن تنضج وبرر: نشر المدونات بشكل مسلسل يفقدها طابعها الشخصي الحميم. وتابع: بعض المدونات تحوي كتابات جيدة لكن هذه الكتابات لا تبرر أن ينتزع الاعتراف بنوع أدبي جديد اسمه أدب المدونات, فمن يكتب في مدونة عليه أن يجتهد أكثر لتصل كتاباته حد النشر في كتاب, وألا يتعجل في ذلك, لأن الكتابة في مدونة عبارة عن فضفضة. وعن سبب امتناعه عن نشر كتاب من المدونات حتي الآن قال: فضلت ألا ألعب لعبة نشر المدونات الا مع مدون ناضج فكريا, وسأصدر كتبا من المدونات بعد أن هدأت عاصفة نشرها لأن مضمونها يصلح للنشر ولابد أن يصل لجمهور الكتاب الورقي. وبدورها تستبعد استاذة الادب الانجيلزي الدكتورة شيرين أبو النجا أن تستمر كتب المدونات في الصدور أكثر من ذلك قائلة: انتقال المدونات من الانترنت للكتب تراجع بسبب أنها في الاساس لم تكن رغبة المدونين بل استجابة لرغبة ناشرين أرادوا تحقيق أرباح من غموض عالم الانترنت بالنسبة للكثيرين, وقد حققت التجربة أرباحا خيالية بالفعل لكنها لم تستمر لأن المدونة تكتسب قوتها بالأساس من قدرتها علي التفاعل مع جمهورها ومكانها الاساسي هو شاشة الكمبيوتر. وتابعت: هذه الكتابات لايمكن تناولها نقديا, ولم تستطع أن تشكل جنسا أدبيا جديدا كما تصور البعض.