جاء اعتراف رئيس الوزراء السوري عادل سفر مؤخرا بتأثر الاقتصاد بالاحتجاجات القائمة منذ أكثر من سبعة شهور ليؤكد الأزمة التي يعيشها النظام السوري في ظل العقوبات الدولية والحظر الأوروبي علي واردات النفط السوري. ويري خبراء أن القرارات غير المدروسة التي اتخذتها الحكومة وتراجعت عنها لاحقا تؤكد تخبط النظام السوري الذي يحاول سحق الاحتجاجات الشعبية بجميع الوسائل المتاحة. وكانت الحكومة السورية أعلنت قبل مدة تعليق استيراد السلع والبضائع التي يزيد رسمها الجمركي علي5 في المائة, لكنها تراجعت عن هذا القرار بعدما لقي انتقادات كبيرة من التجار, فضلا عن ارتفاع أسعار السلع وانتقادات الدول التي تربطها اتفاقيات تجارية مع سوريا. وعاد وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار ليعلن مؤخرا ضمن الملتقي الوطني للإصلاح الاقتصادي أن الدعم الحكومي للمواد الأساسية لن يدوم. وأضاف من واجب البنك المركزي دعم مشتريات الدولة وليس حاجات المواطن خاصة أن الوضع الاقتصادي للحكومة يمر بحالة طوارئ وسط توزيع غير عادل للثروة الوطنية. وذكر الباحث الاقتصادي منذر خدام في الاقتصاديات المفتوحة, من الصعوبة بمكان اتخاذ قرارات جزئية مثل منع استيراد مواد معينة, بدون أن تكون له تداعيات علي مجمل الاقتصاد. وأضاف في سوريا تتخذ قرارات اقتصادية كثيرة بدون دراسة وبضغط من عوامل سياسية الأمر الذي يلحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد وقال إن الحكومة السورية توهمت بأنها يمكن أن تحافظ علي مخزونها من العملة الصعبة بمنح استيراد جملة من السلع التي اعتقدت أنها الأكثر استهلاكا لهذا الرصيد, لكنها لم تأخذ بعين الاعتبار حجم المصالح الداخلية والخارجية التي سوف تتأثر بهكذا إجراء. لقد ولي زمن الحماية الاقتصادية إلي غير رجعة. واعتبر البعض أن الحكومة السورية تراجعت عن قرار منع الاستيراد خشية من ثورة التجار بعدما لمست تأففا لدي طبقة التجار ورجال الأعمال المستوردين( الطبقة البرجوازية) التي يخشي النظام أن تنقلب ضده في حال تضرر مصالحها, ما يؤدي إلي تبدل نوعي في طبيعة الاحتجاجات وقد يعجل برحيل النظام. وأكد خدام أن الحكومة لم تتراجع عن القرار تحت ضغط احتجاجات الطبقة البرجوازية فحسب, بل وتحت ضغط تنشيط التهريب الذي يمكن أن يستنزف من رصيد العملات الصعبة الكثير وأضاف لعب دورا كبيرا في هذا المجال ارتفاع الأسعار الكبير الذي لا تستطيع الحكومة كبحه لأسباب كثيرة. ثم إن الطبيعة المافيوية للنظام جعلت خلفيته الاجتماعية الأكثر تضررا, لذلك اجتمعت هذه العوامل وغيرها لتجعل الحكومة تتراجع عن قرارها. ويلقي البعض مسئولية الوضع الاقتصادي المتقلب في سوريا علي الخطط الفاشلة التي يعتمدها الفريق الاقتصادي في الحكومة ويأتي في مقدمتها الانفتاح الاقتصادي أو ما يسمي اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يواجه انتقادات عدة من قبل المحللين والخبراء والشعب علي حد سواء. وقال غسان المفلح الكاتب والناشط السوري إن هناك حالة من التحرر الاقتصادي, تسود البلاد, ويعزونها لسياسة الإصلاح, بينما ما كان يحدث في الواقع هو حالة من تفلت الوضع الاقتصادي لكي يتسني لرجالات السلطة والحلقة الضيقة منها تحديدا, بعدما استولوا علي قرار البلاد السياسي, أن يضمنوا الاستيلاء علي ما تبقي من ثروة البلاد. وأكد أن القطاع العام كان ولا يزال تحت سيطرة رجال السلطة و ما تبقي من الثروة الوطنية( القطاع الخاص) يسيطر عليه مقربون من الرئيس السوري. وأضاف أن هذه السيطرة تحتاج إلي تفلت الوضع الاقتصادي لكي يتسني للمقربين من الأسد عبر سيطرة حاميهم علي القرار السياسي, إصدار القرارات الارتجالية والتي يراد منها إحكام سيطرة هذه الحلقة الضيقة علي حركة السوق الاقتصادية والمالية في البلاد. وتذكر الأوضاع الحالية في سوريا ب فترة الثمانينيات حيث عاش سوريون ظروفا اقتصادية سيئة جدا نتيجة العقوبات الدولية علي نظام الأسد الأب بعد قمعه احتجاجات مسلحة قامت بها حركة الإخوان المسلمين في تلك الفترة, وهو ما يحاول النظام الحالي إلباسه للاحتجاجات الحالية. وقال المفلح: إن الأجواء هنا لا تشبه بأي حال أجواء الثمانينيات, لكن الأزمة الاقتصادية آنذاك كان أهم سبب لها هو توقف العطاءات الخليجية عن النظام, والتي كانت جلها تصب في جيوب أصحاب القرار, ولم يستفد منها في تهيئة الاقتصاد السوري, وبالمقابل ما يسرقه هؤلاء من الدولة لن يعود إليها, ولهذا علي الشعب أن يدفع ثمن هذه الفاتورة النهابة منذ أربعة عقود. والشعب الآن لم يعد يريد ذلك. واستبعد خدام عودة مرحلة الثمانينيات لاختلاف الظروف وطبيعة ما يجري في سوريا.